بعد أسبوع من إقالة السيد هورست كوهلر بدأت تَرْشحُ بعض المعلومات و تتسرب بعض الحقائق التي كانت من بين الأسباب في وضع نقطة نهاية لعمل المبعوث الأممي الذي كان صادقا في مسعاه ،مقتنعاً بخطة عمله و واثقاً بإمكانية الحل في مدة زمنية معقولة.
السيد كوهلر ذا العقلية الألمانية عمل على النتائج بحسبات دقيقة تُوفر الجهد و تختصر الزمن لأدراكه أن أي تأخير سيكون على حساب الحل و أي إجترار لمسعاه ستنسفه الرمال المتحركة في الصحراء وسيؤدي به في النهاية الى الباب المسدود. فسرعة الماكينة الألمانية و دقتها عجلت بكشف المستور وعرت حقيقة أساسية هي أن المبعوثين الأممين الى الصحراء الغربية كان المراد من تعيينهم، هو في أقصى الحالات الحفاظ على وضعية "الستاتيكو" في الصحراء الغربية إذا عجزوا عن الإلتفاف على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. فهناك خط مرسوم لايمكن أن يتجاوزه أي مبعوث خاص، ذلك ما جعلنا نرى تساقطهم كأوراق التوت الواحد بعد الآخر بالرغم من ثقل وزن هذا و عظمة دولة ذاك، من بيكر الأمريكي الى كوهلر الألماني.
مع مطلع هذا الأسبوع بدأت معلومات شحيحة تتسرب و تؤكدها مصادر دبلوماسية موثوقة، بأن الرئيس الألماني السابق السيد كوهلر وقف على ترتيبات و تفاهمات فرنسية-امريكية حول ملف الصحراء الغربية تتعارض نصا و روحا مع مهمته. أولا مع خطته التي إجتهد فيها لمدة سنتين وأجمع حولها أطراف وازنة من إتحاد أفريقي و إتحاد أوروبي و دول مهمة وهو مقتنع بنجاعتها، وبإطارها الذي لا يخرج عن تطبيق قرارات مجلس الأمن التي تنص كلها على حق تقرير المصيرللشعب الصحراوي طبقا للقانون الدولي و بالطريقة التي يحدد بها هذا القانون "مبداء تقرير المصير" الغير قابل للتأويل ، ثانيا ربما هذه التفاهمات الفرنسية-الأمريكية تريد تفريخ "مولود" جديد غير مُكتمل في الصحراء الغربية، لاهو حكم ذاتي و لا هو استقلال بشهادة ازدياد مغربية وذلك ما شجع المغرب على التعنت بل حتى التطاول على السيد كوهلر و لعل المغالطة التي أعطاها وزير خارجيته لمفهوم تقير المصير بعد الجولة الثانية من المفاضات، تصب في هذا الإتجاه، و ثالثا و أمام هذه الحالة كان السيد هورست كوهلريشعر أنه تحت الضغط بما يتجاوز إمكانيات فعله و صيغ عمله و ربما حتى قناعاته ولكن الأهم والذي يجب التسطير تحته بالخط العريض هو أن السيد كوهلر وجد نفسه أمام موقف واضح و ثابت لا مساومة عليه من لدن الطرف الصحراوي بأن لا حل خارج التعبير الحر للشعب الصحراوي حول مستقبله و بالحجج التي لالبس فيها والتي تدعم قناعته هو و تقويها على خلفيته كوسيط يبحث عن الحل وهي الحجج و المواقف التي تتطابق تماما مع قرارات الأمم المتحدة و الأتحاد الأفريقي و كل المنظمات الأقليمية و الدولية ومحاكم العدل الدولية. .
إن لعنة الطاقة و المعادن التي بداء استكشافها في منطقتنا تَنزل على شمال افريقيا و الساحل وتُدخل قضية الصحراء الغربية في لعبة الصراع الدولي على النفود- وهوما أوضحناه في مقالين سابقين- وفي هذا المضمار تتجه التوافقات و التفاهمات الفرنسية-الأمريكية لترتيب أولويات مصالحهما في المنطقة مما جعل مجلس الأمن عاجز عن تحمل مسؤولياته باتخاذ قراريُفضي الى الحل بل قراره الأخير 2468 يلقى الرفض من طرف دولتين مؤثرتين هما روسيا و جنوب افريقيا وما إقالة المبعوث الأممي الخاص في هذه اللحظة بالذات في وقت كان يُحضرفيه للجولة الثالثة من المحادثات الا تزكية لما نقول.
إن المعركة القادمة واخذاً بالمعطيات الجديدة لا شك أنها ستكون شرسة و لاتسمح لأي مبعوث جديد صادق، بالمبادرة و العمل بما يمليه عليه ضميره و تتيحه له صلاحياته مما يصعب إذ لم يكن من المستحيل أن يتقدم أي أحد لهذه المهمة-المهزلة بعد مغادرة لها سبع مبعوثين من قبل ولنفس الأسباب، اللهم إلا إذا كان الجديد القادم هدفه فقط الإسترزاق و اضافة وظيفة جديدة الى سجله المهني أو سيأتي لنا بما لم يأتي به الأوائل.
ويبقى العامل الحسم في هذه المعركة هو صاحب الحق المُمسك عليه بالنواجد و مستعد أن يموت دونه هو الشعب الصحراوي. فأمام خذلان الأمم المتحدة فإنه في الوقت الراهن بعد الله عز وجل و الثقة في قوة شعبنا، الإعتماد على الإتحاد الأفريقي قد أصبح ضروريا حتى يكون مرافعا عن القضية الصحراوية في المحافل الدولية و مدافعا عن دولة مُؤسِسة له : الجمهورية الصحراوية وأن تتم الدعوة للمفاوضات بين الدولة الصحراوية و المملكة المغربية ندا للند بوصفهما بلدين افريقين يجلسان تحت سقف نفس المنظمة. لا معنى لوجود دولة في الإتحاد تَستعمِر دولة أخر في نفس الهيئة في تناقض صارخ مع المثاق الموقع من طرف كافة الأعضاء. هناك أيضا آفاق كبيرة للعمل داخل الإتحاد الأوروبي بعد تغير خارطته السياسية يوم الأحد الماضي إذ أصبح "موزاييك" من الإتجاهات السياسية تتقدمهم احزاب الخضر المساندين لقضية الشعب الصحراوي و الذين وقفوا في وجه الإتفاقيات التي أبرمها الأتحاد مع المغرب حول الثروات في المقابل تم تقليص تمثيل الحزب الشعبي و الأشتراكي الأوروبيين الذين ظلا مهيمنين على السياسة الأوروبية مدة 40 عاما، و ربما قنوات الإتصال التي فتحت مع المانيا على مستوى عال تُستثمرهي الأخرى لصالح القضية الصحراوية خاصة أن الأنفة الألمانية كسرها الخبث الفرنسي بإزاحة شخص بوزن رئيس سابق لها.
.إن المستقبل واعدٌ و الأزمة عند الصحراويين تلد الهِمة وإن التوافقات و التفاهمات و ضمان المصالح الجيوسياسية واقتصادية لن تنجح الا اذا أخذت بعين الأعتبار إرادة الشعب الصحراوي في الإستقلال و لا شيء غيره، و "ماضاع حق ورائه مطالب".
بقلم: محمد فاضل محمد سالم
0 تعليقات