تونس- يسرى ونّاس: مع تسارع حملة الانتخابات الرئاسية في تونس، بدأت تتضح ملامح رؤية كل مرشح وأهم الملفات التي سيعمل عليها في حال فوزه في اقتراع الأحد المقبل.
من أبرز تلك الملفات هو الملف الدبلوماسي، والسياسة الخارجية، والأمن، ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى الاقتصاد، والتنمية، وإنهاء التهميش، والفقر، والبطالة.
ورأى محللان سياسيان أن بعض المرشحين طرحوا ملفات خارج صلاحيات الرئيس كمناورة سياسية، ولم يقدموا حلولا واقعية لمعالجة الملفات الملحة.
يشار إلى أن الدستور التونسي بعد الثورة اعتمد نظاما تشاركيا لحكم البلاد، ووضع حدا لهيمنة رئيس البلاد على السلطة لعقود، وتميز بتوزيع النفوذ بين رئيسي الجمهورية والحكومة لتحقيق التوازن.
ومن بين صلاحيات الرئيس، وفق الدستور: تمثيل الدولة، وضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة.
ويمكنه حل مجلس نواب الشعب (البرلمان) في حالات ينص عليها الدستور، بجانب ترؤسه مجلس الأمن القومي والقيادة العليا للقوات المسلحة، وإعلان الحرب، وإبرام السلم، بعد موافقة البرلمان، والمصادقة على المعاهدات.
أمّا رئيس الحكومة فيعين الوزراء ويعفيهم من مهامهم، ويضبط السياسة العامة للدولة، يصدر الأوامر إلى جانب إحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة، ويقوم بالتعيينات في الوظائف المدنية العليا.
ملفات عديدة
اعتبر المحلل السياسي، صلاح الدّين الجورشي، أن “من الصّعب حصر القضايا والمحاور التي تطرق إليها مرشحو الرئاسة”.
واستدرك الجورشي: “لكن توجد قضايا تكررت بحُكم أنها تدخل في صلاحيات الرئيس ومطروحة بإلحاح من الرأي العام”.
وتابع: “تلك الملفات هي السياسية الخارجية، وهل سيتم تعديلها أم دعم التوجهات السابقة، ويوجد تشابه كبير بين المرشحين، خاصة في التّأكيد على الدبلوماسية ودعم العلاقات التونسية الأوروبية مع الانفتاح على علاقات أخرى”.
وأردف: “ثانيا السياسة الأمنية، وخاصة الأمن القومي، وهناك تأكيد على السياسة نفسها مع إضافة مقترحات تختلف من مرشح إلى آخر”.
ومضى الجورشي قائلا: “طُرحت قضايا عديدة، لكن الإشكال في مدى قدرة الرئيس على تحقيق المأمول فيها، وفق صلاحياته”.
وأوضح أن “الرئيس يمكن أن يوجه مقترحات تشريعية في ملفات القضاء على الفقر والبطالة، لكنها ليست من صلاحياته، فهناك جهات ووزارات أخرى معنية بالتنمية والمجتمع”.
وتابع: “من المرشحين من تمسك بقضية الحريات الفردية ومشروع قانون المساواة في الميراث، وهناك من قال إنه سيلقي به في سلة المهملات، وبالتالي توجد بداية اهتمام لدى المرشحين بتلك القضية التي تشغل قطاعا كبيرا من الناخبين”.
مناورة سياسية
الجورشي شدد على أن “الرئيس في تونس لا يتمتع بصلاحيات كبيرة، وحاول المرشحون الاقتراب من أغلبها”.
وأوضح أن “دور الرئيس يتعلق بشخصه في إدارة الرأي العام، فهو مطالب بالمحافظة على السلم الاجتماعي وعلى صورة تونس بالخارج”.
وتابع الجورشي: “من المرشحين من يخرج عن صلاحيات الرئيس كمناورة سياسية للحصول على أكثر عدد من الأصوات”.
واستطرد: “لا أقول إنه يراوغ، لكنه يقول كلاما غير قادر على تنفيذه، فهو مرتبط بصلاحيات وبميزان قوى بينه وبين رئيس الحكومة”.
شعارات بلا حلول
بحسب المحلل السياسي، كمال الشّارني، فإن “أهم ما نلاحظه هو تورط مرشحين عديدين في الصيد خارج مجال الحملة، والتلويح بحل ملفات خارج صلاحيات الرئيس”.
وتابع الشّارني: “الاقتصاد مثلا ليس من صلاحيات الرئيس، فلا يتدخل مثلا في عجز الميزان التجاري ونسب التضخم، ولا يمكن أن يغير قوانين الاستثمار والمالية”.
واعتبر أن “المسألة الأخطر هي أن أياً من المرشحين لم يقدم حلولا حقيقية واقعية للمشاكل.. كلها شعارات، كمكافحة الفساد مثلا، فلم يقدم لنا أحد منهجيته في ذلك، وهم بذلك يوحون لنا أحيانا بأنهم سينتهكون استقلال القضاء”.
وتابع: “تعرّض المرشحون أيضا لملف السياسة الداخلية.. يوجد خلاف دائر في تونس، منذ سنتين أو أكثر، حول مسألة تحقيق التوافق، وهي من أهم القضايا التي أكد عليها الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي (2014- 2019)”.
وأردف: “رغم أن التوافق أصبح قضية خلافية، إلا أن المرشحين لم يخوضوا فيها، ولم يتطرقوا إلى مدى مواصلتهم لسياسة التوافق أم لا”.
واستطرد: “البعض تعرض لذلك، وسيكون مضطرا للتعامل مع كل الأطراف السياسية، ففي أقصى الحالات سيتم تشكيل حكومات ائتلافية بين أطراف متشابهة، وقد تضطرهم الظروف مثلا إلى التحالف مع (حركة) النّهضة (إسلامية- شريكة في الائتلاف الحكومي)”.
ورأى أن ثمة “قضايا تهرب منها بعض المرشحين، مثل العلاقات الإقليمية والدولية، فهناك من لم يبين لنا كيفية تعامل تونس مع المسألة الليبية، وهو ملف تتداخل فيه كل الأطراف.. وهناك من طالب بمحاسبة فرنسا واعتذارها عن الفترة الاستعمارية (1881- 1956)”.
واعتبر الشّارني أنه “فيما يخص القضايا الكبرى اقتصرت في خطابات المرشحين على مجرد الشعارات، على غرار القضية الليبية، التي تعد تونس يوميا أكثر المتضررين منها على مستوى الأمن القومي وأيضا على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، ورغم ذلك لم يتقدم أي مرشح بحل عملي”.
اقتصرت القضايا الكبرى في خطابات المرشحين على مجرد الشعارات، على غرار القضية الليبية، وأيضا على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، دون تقديم أي حل عملي
وتابع: “لم يقدم المرشحون أيضا حلولا حقيقية وعملية لموضوع الأليكا (اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي) وما مصير تلك الاتفاقية”.
وتثير الاتفاقية (كان مقررا توقيعها أواخر 2019) مخاوف تونسيين يرون أنها ستُضر بالفاعلين الاقتصاديين في قطاع الخدمات (البنوك، التكنولوجيا، الصحة، المطاعم، الترفيه، السياحة، الفلاحة)، وما سيترتب عن ذلك من بطالة وغلق لمؤسسات صغرى ومتوسطة، إضافة إلى تأثيرها سلبا على أمن الغذاء والطاقة.
وأرجئت المفاوضات بين تونس والاتحاد الأوروبي حول “الأليكا” لعوامل انتخابية في الجانبين، وهي تهدف إلى مزيد من إدماج الاقتصاد التونسي ضمن الاقتصاد الأوروبي.
رئيس بلا كتلة
بشأن التحالفات المرتقبة، رجح الشّارني أن “لا يكون للرئيس المنتخب كتلة نيابية تسنده، ما سيدفعه إلى تقديم تنازلات على حساب برنامجه، ما قد يدخله في مواجهة مفتوحة مع مجلس نواب الشعب على حساب وعوده التي قدمها خلال الحملة، والتنازل لفائدة حلفاء محتملين”.
وتابع أن “استثمار شعارات متعلقة بالهوية كقضية المساواة في الميراث يجعل بعض المرشحين يراهنون على أشياء انتهت”.
ويتنافس في الانتخابات 26 مرشحا لخلافة السبسي، الذي توفي في 25 يوليو/ تموز الماضي عن 92 عاما.
ولفت الشّارني إلى “تشتت التيارات السياسية، فمرشحون عديدون ينتمون إلى تيار سياسي واحد، وهو ما قد يُضر برأيه في العملية الديمقراطية”.
وتابع أن “التيار اليساري يشهد ترشح ثلاث شخصيات عنه، وأغلبهم يتحدثون عن البرامج نفسها، والأمر نفسه بالنسبة للتيار الثوري، والأحزاب المنشقة عن نداء تونس”.
وأطاحت ثورة شعبية، عام 2011، بالرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي (1989- 2011).
واعتبر الشّارني أن “هذا التشتت يفرز ما يسمى بترشح الأخوة الأعداء، الذّين ينهلون من الخزان الانتخابي نفسه، وهو ما سيكون في النهاية لصالح المنظومات الفاسدة”، وفق تعبيره.
وتستمر الحملة الانتخابية بين 2 و13 سبتمبر/ أيلول المقبل، وبعد يوم صمت انتخابي، يقترع الناخبون في 15 من الشهر نفسه، على أن تُعلن النتائج الأولية في 17 من ذلك الشهر.
وفي حال إجراء جولة ثانية، فسيتم التصويت قبل 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بحسب هيئة الانتخابات.
(الأناضول)
0 تعليقات