منذ ثلاث سنوات تقريبا طرقت باب هذا الرجل بمكتبه المتواضع بمستشفى البشير الصالح بالشهيد الحافظ بوجمعة .. كان الرجل وقتها يشغل منصب مدير او مسؤول لا أدري في قسم السلياكية .. كانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي ألتقي فيها طبيب الفقراء ..
وبعد السلام طلب مني الجلوس فحدثته عن حاجتي لبعض المواد الخاصة بمرضى السلياكية لأجل إمرأة متواضعة الحال تريدها لإبنتها التي لا تتناول إلا موادا خاصة بهذه الفئة .. أخبرته أنه لا تربطني بالمرأة أية علاقة وأن الصدفة وحدها هي التي قادتني إليها .. كان الرجل ينظر إلي والإبتسامة تعلوا محياه الى أن أكملت ..
وسأتفاجأ بعد ذلك أن الطبيب الإنسان يعرف عني كل شيء تقريبا .. سألني عن والدتي وعن خالي زميله في المهنة ثم ناداني بإسمي العائلي "الخوميني" .. قال لي أنا أعرفك منذ الصغر وقد رأيتك تكبر لزمن طويل للعلاقة الطيبة التي تربطني بخالك وأفراد أسرتك ..
بعد حديث شيق من رجل لبق لطيف طيب بشوش أعطاني ورقة ووجهني الى مكان معين لأخذ الوصفة وقبل أن أغادر مكتبه طلب مني أن آزوده بسرعة بمعلومات المريضة قائلا أن من حقها الحصول على تلك المواد مجانا ودوريا ثم قال لي كلمة لن أنساها .. " .. الخوميني .. البسطاء ليس لهم إلا الله والطيبين من أمثالك أنا زين عندي ذا ألي عدلت وتم إخليك لي ساعد الناس وأي حد محتاج مساعدة من هون لا تتردد في الإتصال بي .. هذا حقهم .. " ..
ولسنوات طويلة رفض الطبيب النح لحسن أن يكون المال هدفا يكرس من أجله حياته مستغلا مهنته كطبيب التي تتيح له ذلك بكل سهولة .. و لكنه إختار أن يكون الطبيب الإنسانا لإعتقاده الراسخ أن التجارة الوحيد الرابحه دائما هي التجارة مع الله ..
لسنوات طويلة ظل الرجل الطبيب في الظل بعيدا عن الأضواء مناضلا حقيقيا لا مزيفا مكرسا وقته كل وقته لمداوات الجراح وتضميد الآلام متنقلا بين الأزقة والخيم باسما ضاحكا متواضعا بسيطا جديا في العمل إنسانا في الحياة ما أكسبه سمعة طيبة وسط الناس ..
وليرحل أخيرا صاحب الوجه الجميل و السيرة العطرة .. رحل الإنسان الذي رأينا فيه حسن الختام و ليترك لنا الأثر الحسن ..
خالص العزاء لأفراد أسرة الراحل الصغيرة كل واحد وواحدة بإسمه .. عزائي لكل البسطاء والفقراء .. عزائي لأصدقاء الطبيب الطيب وكل معارفه راجيا من الله أن يتقمده بواسع رحمته وعظيم مغفرته وأن يلهنا جميعا في غيابه الأبدي جميل الصبر إنه سميع مجيب ..
وإنا لله وإنا إليه راجعون ..
عبداتي لبات الرشيد
0 تعليقات