اشترك في النشرة البريدية

يوميات من زمن الكورونا أمينة غريب

صمت وسكون يلف المكان، العابرون وجوه  بكمامات وعيون تائهة وكأنها تبحث عن بر أمان، وعن أجوبة لأسئلة تؤرقها…
 بين مسافة وأخرى نقاط مراقبة وسؤال إلى أين؟ لم يعد مسموحا لك بأن تتنقل بكل حرية في المدينة نفسها، الحواجز في كل مكان وحدها ورقة عبور أو بطاقة مهنية، قد تخول لك أن تأخذ وجهتك..
يا آلله من هذا المجهول الذي أجبرنا على التقوقع في منازلنا والاحتماء بشرفات لعلها تحمل لنا بعض الأمل..  
البحر هو الآخر مستكين لغروب حزين والأمواج أصبحت راكدة كأنها في مناجاة مع من كانوا يداعبونها. المقاهي مقفلة وحده صدى وشوشات وصخب زبناء  يتسرب  وكأنه آت من زمن بعيد..
أصبح السؤال الكابوس كل صباح ومساء:  كم عدد الحالات المصابة؟ أصبحنا نترقب الحصيلة وأصبحت معادلة الموت والحياة مجرد أرقام يتلوها اليوبي بطريقة ميكانيكية ونتلقفها نحن وسط خوف وهلع وذهول..
  أصبحت كتابة رقم عدد الإصابات، العذاب اليومي،  نبحث وسط ركامه عن عدد المتعافين كمن يبحث عن الخيط الرفيع المؤذي إلى ذلك الأمل الذي سينقدنا من براثين فيروس يفتك بشراسة..
 نتحملق حول شاشات  التلفزة.. أدمنا على صور المستشفيات والموتى ومع كل حالة شفاء ينتعش الأمل بأن الكابوس سينتهي . يوميات أصبحت عبارة عن حكايات تحتضنها صفحات افتراضية ودردشاتنا تتقطع بين الحين والآخر بفعل صبيب تعب هو الآخر من حواراتنا. كل شيء أصبح عن بعد.. ربما لتعاود تشكيل علاقتنا مع ذاك القرب الذي كان يحضننا ويشكل سندنا في مواجهة اكراهات الحياة..
  تغيرت أولوياتنا و تكسرت طموحاتنا في مساحة لا تتعدى باب البيت..
نظرتنا تغيرت من كثرة الخوف من هذا الآخر الذي قد يكون حاملا للفيروس  مع أنه اقرب الناس إليك..
السيارات طلاها الصدأ من عدم الحركة، محطات البنزين لم تعد تمارس لعبة الاثمان..  اشتياقنا للناس والأماكن يكبر يوما بعد يوم، فقدنا حضن الأمهات وحرمنا من وداع أمواتنا.. لن نقبل جبينهم فقط سنترحم عليهم من بعيد في أقسى لحظة..
أصبحنا في مناجاة يومية مع ذواتنا نغوص فيها لنتفقدها خوفا من أن تكون قد فقدت كل أو بعض من دعاماتها.. فهذا المجهول الذي أعاد تشكيل العالم بإمكانه أن يخرب هذه الذات ويترك بها بصمات تفقدها الكثير من أدميتها..
 صفارة سيارة الإسعاف تنبئ بحالة أخرى تضاف إلى الحصيلة..
 مع اقتراب الساعة السادسة، تبدأ دكاكين البقالة عملية الإغلاق اليومي، تكثف حواجز المراقبة، يبدأ السباق ضد الساعة للالتحاق بالمنازل..
 بعدها.. يخيم صمت رهيب ويسود المدينة وحشة وسكون ثقيل..
نتحملق مرة أخرى في طقسنا اليومي أمام الشاشة  لنتلقف أخبارالحصيلة.. نعود لصفحاتنا الافتراضية نسطر بمداد الأمل على عدد المتعافين.. يسدل الليل ستاره، نتبادل بعض الدردشات، نخلد إلى النوم بعيون مفتوحة على يوم آخر من يومياتنا في زمن الكورونا..  بعد أن تركنا على صفحاتنا تلك اللازمة السحرية التي أصبحنا نرددها صباح مساء *بقى فدارك..

إرسال تعليق

0 تعليقات