قال تعالي : (( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) (آل عمران)
لقد رحل رجل ليس ككل الرجال، وفارسا ليس ككل الفرسان، انه المقاتل والمجاهد والدبلوماسي والمفكر والسياسي بشاري الصالح حيمد الذي رحل جسده لتبقى أعماله وعطاءاته خالدة، تحكي تاريخ قصة كفاح مرصعة بالامجاد.
وستظل مآثره حاضرة في ذاكرة الاجيال، وصفحات التاريخ، تحصد امتيازات رسمتها ارادة لا تقهر وعزيمة لا تلين.
لقد كان الشهيد بشاري الصالح وفيًّا لمثل ثورة العشرين ماي الخالدة، منبهرا بمنجزاتها وتاريخها المرصع بالدم والبارود.. كيف لا وهو الذي لم تبقى مساحة من جغرافيا جسده الطاهر إلا وتؤرخ لاختراق رصاصة او ترسم علامات لشظايا بارود المعارك التي خاضها ببسالة الشجعان، ليعيش باحشاء اصطناعية ورجل مدعمة بالحديد لكن يعزيمـة فولاذية ومعنويات تعانق السماء.
تخونك الكلمات وانت تبحث من اين تبدأ في الحديث عن مثل هؤلاء الرجال ويعجز التعبير امام عظمتهم وترتجف الانامل وهي تحاول نقش حروف الوفاء في حقهم بكل صدق وأمانة.
كنت حين أجالسه، يسألني عن كلّ التفاصيل بما يدور في عالم الاعلام من حولنا ويعاتبني على انقطاع ارساليات الاخبار عنه حين يتفقد جواله، ليحدثني العارف بخبايا السياسة وفقه الواقع، عن المشهد الوطني وكأنه الممسك بتلابيبه، في تقييم شامل لايجابياته وسلبياته واستشراف لمآلاته، بحكمة صقلتها الخطوب والتجارب.
كان ـ رحمه الله ـ مدرسة فكرية وموسوعة معرفية لكل العلوم ومثالا حيا للمثقف الطلائعي، المدافع عن حرية الفكر والتعبير والمناهض للاستبداد بالفكر والممارسة، يفرح حين يرى الشباب يناقش ويتفاعل مع قضيته الوطنية.
كان مؤقنا بحتمية النصر ويقول بان المغرب مجرد إشاعة لا وجود لقوته وإنما العدو الحقيقي للصحراويين هو فرنسا وهي السبب وراء كل المأساة التي يعيشها الشعب الصحراوي وان الصراع مستمر مع هذا العدو المارد والذي لم يستسغ مرارة الخسارة ويحاول دائما طعن الشعب الصحراوي من الظهر ويقف حجر عثرة بمجلس الامن الدولي في طريق اي حل سياسي ينهي معاناة الشعب الصحراوي.
كان ينصح باستمرار بالحفاظ على وحدة الشعب الصحراوي ككتلة واحدة غير قابلة للتجزئة، وان الصحراويين كلهم احباب واصدقاء ولا فرق بينهم ومن يجعل منهم عدو فهو عدو لنفسه قبل غيره.
كانت له فلسفة اجتماعية فريدة ومعرفة دقيقة بالمجتمع، ويحذر ممن يستعملون القبلية لاثبات ذواتهم او ايجاد قيمة لانفسهم ويقول بان من يمتلك مؤهلات بامكانه اثبات ذاته دون اللجوء للاساليب الخسيسة التي سيحكم عليه التاريخ بالفشل متى ما سقطت ورقة التوت عنه.
لقد كان ـ رحمه الله ـ وبحق رجل بأمة، شكل نموذجا فريدا في الصبر والجلد والتضحية رغم الامراض التي بدأت تنهش جسده المنهك، وبثبات ويقين منقطع النظير كان يحدث كل من يعوده في اثناء مرضه بانه لا يهاب المرض ولا يخشى الموت، أفنى حياته في خدمة شعبه وقضيته العادلة.
قد مات قومٌ وما ماتت مَكارِمُهُمْ *** وعاش قومٌ وهمْ في الناس أمواتُ
رحم الله الشهيد البطل بشاري الصالح حيمد وكل شهداء القضية الوطنية وإنا لله وإنا اليه راجعون.
حمة المهدي
0 تعليقات