اشترك في النشرة البريدية

للمرة الثالثة إلغاء لمباراة شغل منصب عميد كلية الحقوق بالمحمدية: مذكرة الصراع داخل حكومة عدم الانسجام



بقلم: المصطفى ساجد
أستاذ الاقتصاد السياسي بكلية الحقوق بالمحمدية 
بعد التماطل الغريب والممنهج لمدة تغطي السنة الدراسية 2018/2019 في شأن تعيين عميد كلية الحقوق بالمحمدية، يفاجأ الجسم الجامعي وخاصة الفاعلين بالمؤسسة المعنية بمذكرة إلغاء لمباراة منصب شغل عميد كلية الحقوق بالمحمدية، وبفتح باب الترشيحات بهذا المنصب من جديد وهو الإلغاء الثالث من نوعه في شأن هذه المؤسسة الجامعية،بحيث أن الإلغاء الأول هم جميع مؤسسات جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء المعنية بالمباريات من طرف الوزير السابق محمد حصاد.وبناءا على هذه المباريات تم تعيين رؤساء المؤسسات مع استثناء كلية الحقوق بالمحمدية والتي كانت ضحيةالإلغاءات المتكررة. فقد خلفت مذكرة الإلغاء الأخيرة المعللة بما تنص عليه المادة 3 من القانون 30-01من إلزامية تعليل القرارات الإدارية، ردود أفعال أثارت استغراب واستياء عارمين حول أسباب ودوافع الإلغاء غير المبرر بتاتا في ظل غياب أي طعن من طرف المرشحين وانطلاقا من أن المواطنين سواسية أمام القانون كما تنص على ذلك بنود الدستور. وانطلاقا من ذلك ففي حالة رفض مرشح مقترح للمرة الأولى يجب تمتيع المرشحين الباقين بشروط المنافسة والحقوق التامة طبقا لمسطرة الاقتراح والتعيين دون حساسيات أو إقصاء.ففي ظل غياب الطعون غالبا ما تعلل مذكرات الإلغاء بتقارير وزارة الداخلية على أساس مبررات أمنية سلبية في حق المرشحين المقترحين من طرف الوزارة الوصية. وعليه فالسؤال المطروح هو هل تم استنفاد الاقتراحات في حق المرتبين الثلاثة من طرف الوزير الوصي على القطاع أم تم التشبث باقتراح مرشح واحد وبعدم اللجوء إلى اقتراح باقي المرشحين المرتبين في حالة رفض تعيين المرشح المقترح أولا؟
فطبقا للقانون التنظيمي لمباريات شغل منصب رئيس مؤسسة جامعية فإن الوزير الوصي على القطاع يقترح مرشحا من بين المرتبين الثلاث للتعيين في إطار مجلس الحكومة.فإذا كان الوزير الوصي على القطاع تخول له سلطة الاختيار وتجاوز مسألة الترتيب وأحقية المصنفين ضمنه،  فلا يجوز له أن يحصر الاقتراح في مرشح واحد ويلغي المباراة دون أي اعتبار للمترشحين الآخرين المرتبين وذلك برفض اقتراحهما لمسطرة التعيين، إذ  العملة المتداولة هي التسيير المزاحي واستغلال النفوذ والاصطفاف بجانب مرشحين على حساب آخرين دون أدنى اعتبار لسمو القانون وحرمته، ولما تقتضيه المسؤولية من حزم وصرامة واحترام مبدأ تكافئ الفرص وخدمة المصلحة العامة.
أكيد أن مذكرة الإلغاء ماهي إلا صيغة مريبة لحلالصراع بين الأطراف الوزارية الناجم عن عدم انسجام مكونات هذه الحكومة الهجينة، وكذا غياب سلطة رئيس الحكومة لفرض احترام مساطر القانون التنظيمي.
فمذكرة الإلغاء توضح بجلاء إفراغ القانون التنظيمي من محتواه ومن ضوابطه الإلزامية مقابل التسيير بالمزاجالخاص وبمنطق تبادل المصالح والمقايضات والمحاباة والذي لا يرتبط بمقتضيات النصوص بل باعتبارات التحكم وعدم الانصياع بعيدا عن الاحتكام العادل والمنصف للمرشحين المرتبين والتقيد بالمحطات المسطرية كدور اللجنة المشرفة على ترتيب المرشحين ودور مجلس الجامعة فيما يخص دراسة مسطرة التتبع والمصادقة عليها قبل إرسال قائمة المرتبين إلى الوزارة الوصية.
فهذه الممارسات المزاجية والعبثية تتفتق من عقلية سلطوية وهيمنة الوزارة الوصية من خلال تحقير دور اللجنة المشرفة على تنقيط عروض المرشحين، وبضرب عرض الحائط مصداقية واختصاصات مجلس الجامعة الموكولة له في الفصل 20 من القانون 01-00 المنظم للتعليم العالي،مهمة الدراسة والمصادقة.وفي هذا الصدد يجب الإدلاء بأن المحطات المسطرية للمباريات تكون جد مكلفة من خلال تتبعها للحرص على نزاهتها.
فللأطراف الوزارية والوصية على قطاع التعليم العالي مسؤولية جسيمة فيما آلت إليه الأوضاع من احتقان وتذمر اتجاه هذا التلاعب والتبخيس للأساتذة الباحثين وللفاعلين بالمؤسسة بسبب هذه الإلغاءات المتكررة واللامسؤولة.
فعدم الحسم في مصير المؤسسة الجامعية المعنية بتركها تسير من طرف العميد بالنيابة لمدة تفوق ثلاث سنوات فهذا يعتبر في حد ذاته استهتارا وعبثا بالمؤسسات وتحقيرا فظيعا للفاعلين بالمؤسسة وبمهامهم على مستوى التكوين والبحث العلمي، وهو كذلك خرق سافر لما هو منصوص عليه فيما يخص أمور التسيير بالنيابة « règles de l’intérim ».
بهذا التماطل وتجاهل الأوضاع وكل ما ينجم عن عدم الحسم في مسألة التعيين بهذه المؤسسة تظل العملية رهينة حسابات ضيقة وضحية الصراع العقيم بين الأطراف الوزارية التي تختلف في اختياراتها وتوجهاتها فيما يخص دوافع وحيثيات الاصطفاف بجانب مرشح على حساب آخرين وذلك انطلاقا من اعتبار مناصب المسؤولية مكافآت وامتيازات تمنح على أساس الانتماء الحزبي وفي إطار توسيع شبكة الولاءات والتكتلات والتوافقات الظرفية بين الأحزاب وكذلك تحت ممارسات الضغط بمقايضة السلم الاجتماعي أو عبر تجييش وتحريك شبكة العلاقات المنسجمة في إطار المنظور النفعي والمركب المصلحي لتكثيف وتوجيه التوصيات المدعمة للظفر بالمنصب.
فإذا كانت للأطراف الوصية على قطاع التعليم العالي (الوزارة المعنية لرئاسة الجامعة) مسؤولية فيما تعرفه المؤسسة الجامعية من احتقان وتذمر وعدم تفعيل المادة الأولى من الدستور بربط المسؤولية بالمحاسبة وبمعاقبةمن تورط في التجاوزات المنافية للقانون والممارسات المجرمة قضائيا،فإن قسط من المسؤولية يقع على عاتق الهياكل المنتخبة التي من المفروض فيها التصدي لاستغلال النفوذ وبسط الهيمنة وللتسيير المزاجي والممارسات اللاقانونية المبخسة لقيمة الاستاذ الباحث، كما تضرب في العمق مكانته ومعنوياته ضمن إستراتيجية قتل الجامعة بتسريع وتيرة خوصصتها بمنح المعادلات للمعاهد والجامعات الخاصة، وذلك بضرب مجانيتها تحت ذريعة تحسين جودة خدماتها على مستوى التكوين.
فالمسؤولية تقع كذلك على عاتق النقابة الوطنية للتعليم العالي التي ما فتئت تفقد بريقها وأدبياتها من خلال التخلي عن مبادئ الصراع والمواجهة للدفاع عن الجامعة العمومية والفاعلين بها وللتصدي لكل ما من شأنه (مراسيم-مذكرات- ممارسات) أن يقزم دور ومكانة الأستاذ الباحث ويسيج الفضاء الجامعي ويفرغه من رمزيته كمكان للحريات والإبداع الفكري والإشعاع المعرفي العلمي.
فعلى الهياكل المنتخبة وخاصة مجلس الجامعة والمكاتب النقابية على المستوى الوطني والجهوي تحمل مسؤولياتهم فيما يخص قانونية مذكرة الإلغاء ومصداقية مدى تعليلها من طرف الوزارة الوصية التي لا تعير أي اهتمام للجسم الجامعي وهياكله ونقابته كما لو أن فاعلية ومكانةوأدبيات الجامعة العمومية لم تعد لها القوة والفعل كما كان الشأن سابقا.
ففي سياق المذكرات المفروضة لا يفوتنا أن نستحضر المذكرة الموجهة أخيرا إلى رؤساء الجامعات تحثهم على منع التظاهرات بالفضاء الجامعي، هذه المذكرة التي تكرس التسيير الجامعي بمنطق الهاجس الأمني على حساب انفتاحها على المحيط الجهوي والوطني والعالمي وإشراكها مع الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين والنقابين والجمعويين للوقوفعلى المعضلات والأعطاب والاختلالات السياسية والفوارق الاجتماعية والمجالية والكوارث البيئية، وبالتالي بهدف تحويلها إلى منارة للمعرفة والعلم، والغرض من هذه المذكرات هو امتصاص ومحو الحمولات الثقافية الثقيلة والقيم المعنوية والتاريخية بتشجيع المنظور الليبرالي الذي يتوخى تسليع وتبضيع المعرفة وكل مناحي ومهام العمل الجامعي(La marchandisation des savoirs).
فهيمنة الأطراف الوصية ومساندة نماذج التسلط واستغلال المسؤوليات واستشراء ثقافة اقتسام الريع والتسلق السريع والعبث بالمؤسسات التي تسير كمحميات وضيعات خاصة، كلها عوامل تزيد من تفاقم وتردي الأوضاع بالجامعة العمومية في ظل غياب المقاومة والتشبث بالمواقف أمام الإغراءات والطموحات الشخصية وأساليب التدجين والاحتواء. فمذكرات الوزارة الوصية تبرهن على هذا الخلل المؤسساتي وعن تخاذل وضعف الهيئات التمثيلية (مجلس الجامعة، النقابة) التي يتم تغييبها وتهميش دورها في القرارات المصيرية ذات التأثير الكبير على الجامعة العمومية.

إرسال تعليق

0 تعليقات