بقلم: أحمد أعلي المامي
تعتبر التساؤلات هي مصدر أية قضية وميزة هذه التساؤلات هي القدرة على ترك الدهشة والحرج والحيرة في الذهن الفرد، كما أن التساؤلات مصدرها مشكلة ما، ويطرح التساؤل من أجل البحث عن الحقيقة والوصول إلى إجابات مقنعة تقود نحو الحلول صحيحة.
إن الواقع اليوم يطرح عدة تساؤلات وأهم هذه المواضيع التي لا تخاو من الغموض والتي يعتريها الخطأ وتتطلب مراجعة ووقف مع الذات بكل حيادية ودون ميول إلى المشاعر والنفسيات ومن أجل إيجاد حلول مناسبة والتي من شأنها أن تقويم هذا الإنحراف والإعوجاج الذي أعترى المشروع الوطني وحال دون الوصول إلى الأهداف الذي جاءت من أجلهم الثورة الصحراوية وخلقت من أجلهم الجبهة الشعبية وتأسست من أجلهم الدولة الصحراوية والتساؤلات التي أطرحها الأن هي من الواقع الذي نعيشه اليوم وهي كالأتي: هل الإطارات القيادية العليا وفقت في المسايرة بالجبهة الشعبية والدولة الصحراوية معا؟ أم أن الجبهة الشعبية هي غطاء من أجل الإستلاء على السلطة والوصول إلى مركز صنع القرار؟ ولماذا منذ إعلان الجمهورية حتى اليوم (2019) لم تنجح القيادة في بناء دولة ذات مؤسسات رغم وجود الإمكانيات البشرية والمادية؟ ولماذا يلجأ مركز صنع القرار في الدولة إلى الحلول القبلية (الصلح) دون اللجوء إلى تحكم القانون رغم وجود مادة القانون؟ كيف أثرت سلبا القيادة العليا في الكفاءات الشبانية؟ والتساؤلات التي مصدرها مشكلة ما تتسم بالإستمرارية.
إن البحث عن إجابات للتساؤلات المطروحة سالفا تتطلب الغوص بعمق في البحث عن الحقيقة بكل حيادية، وفي إطار تعرية الحقيقة من اللبس والغموض وإظهارها على طبيعتها، ومن خلال تشخيص الواقع اليوم يمكن الوصول إلى المشكلة الرئيسية أو الإشكالية والتي لابد من طرح تساؤلات في سبيل الوصول حلول فعلية ناجعة ذات فعالية وقيمة عملية.
سأقدم إجابة حول هذه التساؤلات المطروحة وهي مجرد وجهة نظر شخصية لا أكثر، كما يمكن لأي فرد مهتم الإجابة عليها هو أيضا حسب وجهة نظره الشخصية.
إجابة التساؤل الأول: لقد نجحت القيادة العليا في بداية الأمر حيث وفقت بين حمل راية الجبهة الشعبية وراية الدولة الصحراوية، لكن لم يستمر هذا النجاح مع تقدم الوقت وزيادة الرهانات والمتطلبات بحيث تنازلت الجبهة الشعبية عن معظم الأدوار التي كانت تقوم بها مثل التوعية والتحسيس ...الخ. وجعل الشعب يلتف حول الجبهة الشعبية، هذا التنازل كان لصالح الدولة وسياساتها المتفتحة حيث فشلت الدولة في سياستها في إحتوى الشعب ولم تعالج مكمن العلة التي تخلقها المنظومة القيادية.
إجابة التساؤل الثاني: إن إهمال دور الجبهة الشعبية وحصر الجبهة في المؤتمر الذي تنتخب فيه قيادة الجبهة والدولة معا، وتعتبر إستمرارية نفس الوجوه القيادية في السلطة وفي مركز صنع القرار الدولة وإتباع سياسة المداورة في المناصب بين كل مؤتمر وأخر دون الوصول إلى نتائج إيجابية هي مؤشر حقيقي أن الجبهة الشعبية أصبحت غطاء للوصول إلى السلطة والتعمير فيها فقط.
إجابة التساؤل الثالث: إن تأثر المؤسسات في كل مرة بقائدها الجديد (وزيرها) ينم على أنها مؤسسة ضعيفة ولم تبنى على قانون صحيح ونظام سليم، مهما كان وزن الوزير أو القائد فإن المؤسسة تبقى ثابت وفق لنظامها الداخلي ووظيفتها التي خلقت من أجلها وتبقى بإطاراتها وكوادرها والوزير أو القائد ما هو إلى أداة منفذة ومشرفة على إطارات المؤسسة من أجل ممارسة وظيفة وتحقيق أهداف المؤسسة بأسلوب صحيحة في إطار الدولة.
كما أن عدم تساوي الفرص بين الأفراد وشيوع المحسوبية والقبلية وإستعمال الوسائل العامة لأجل أغراض شخصية وإستعمال السلطة في المؤسسات هو دليل واضح على هشاشة الأساس الذي بنيت عليه المؤسسات.
وتعتبر الرتابة في الدور والوظيفة والصورة النمطية المتراكمة للمؤسسات وعدم تطويرها تطوير يواكب متطلبات وحاجات العصر هو دليل أخر على أن القيادة لا تعري إهتمام بإعادة بناء المؤسسات بناء سليم.
إجابة التساؤل الرابع: إن عدم العمل بالقانون في القضايا القانونية واللجوء إلى العرف القبلي من أجل الإصلاح بالإضافة إلى عدم تساوي الأفراد أمام القانون وشيوع التمييز، كل هذا خلق العشوائية في سلوك وذهنيات الفرد الصحراوي وأصبح لا يثق في الدولة وأضحى يلجئ إلى حضن قبلية بديلة الدولة من أجل توفير له الحماية والإنصاف التي عجزت الدولة عن توفيرها للمواطن.
إجابة التساؤل الخامس: إن الصورة النمطية التراكمية التي خلفتها القيادة العليا المنفذة والتي تستولي على السلطة في الجبهة الشعبية والدولة الصحراوية معا منذ تأسيسهما كانت في البداية صورة في المستوى ومشرفة لعدت أسباب وظروف كون القيادة كانت متجهة نحو الجبهة الشعبية وهدفها الوحيدة هو تحرير أرض الساقية الحمراء ووادي الذهب والظروف الاقتصادية كانت قاسية والإمكانيات منعدمة في هذه الظروف كانت القيادة متجهة نحو هدف واحد وتسعى للتحرير فقط، لكن بعدما إتجهت القيادة نحو بناء الدولة الصحراوية ذات مؤسسات لم تترك الصورة المشرفة بل تركت صورة مخيبة للأمال وغير مقنعة، وتظهر هذه الصورة النظرة القصيرة والغير واضحة فيما تمارسه القيادة في بناء المؤسسات أو بالأحرى ما تتشدق به في بناء المؤسساتي هذا ما ينعكس سلبا في الفئة الشابة والكفاءات، وكان منهم من نأى بنفسه وعكف عن دخول في هذا الجزء من تاريخنا الغير مشرف وأختار لنفسه عمل حر أو هاجر أو هجر وقلة قليلة من الشباب من بقي مرابط في المؤسسات رغم الفساد الذي يراه شبه يوميا، ومنهم من دخل في هذه اللعبة قبل خوض غمار اللعبة السياسية في المؤسسات والمنظمات الجماهرية وكان هو الأخر غير مشرف وكان فيه من اللين ما في العجين وإنصهر في سرب الفاسدين العابثين.
إن الإشكالية اليوم أصبحت أكبر مما نتصور ومما يجوب بخاطرنا ومما نشعر به من يريد أن يرى الحقيقة يجب أن يتجرد من العاطفة ويختلي بفكره ويرى الأمور بحيادية على حقيقتها وبعين الحق لا بعين المصلحة والتعاطف وكسب المواقف هنا سيرى الحقيقة أو ما يدخله نحوها أو ما يقربه منها، اليوم هناك بعض من المشاكل الجزئية المكونة للإشكالية الرئيسية فهناك عدة مشاكل هي كالتالي:
مشكلة الأولى: أزمة ثقة بين القيادة العليا والقاعدة الشعبية والقيادة نفسها تعي جيدا كل الوعي أنها لا تتمتع بالقبول العام وأيضا تعرف أنها أصبحت ورقة سوداء محترقة، والقاعدة الشعبية أوضح رؤية من القيادة وباعها أطول وتعرف أنها ضحت بالغالي والنفيس من أجل حق مشروع وتركت القيادة تفعل ما تشاء لكن دون أن تمس وحدة الشعب وعدالة القضية الوطنية.
مشكلة ثانية: هي النظرة القصرية والغير واضحة للقيادة في إدارة الصراع مع العدو المغربي في الكثير من الأحيان نسمع عن إنتصارات وهمية حققتها الجماعة القيادية في إدارتها للصراع لكن في الحقيقة أن المنظومة القيادية في القليل من المرات حققت إنتصار على حساب الاحتلال المغربي، وما يحسب لهذه القيادة الرشيدة هو تطويق المغرب في الإتحاد الإفريقي والقدرة على جذب الشعب في المناطق المحتلة حول الإنتفاضة والتظاهر، أما غير هذا فليعي الجميع أن قيادتنا في سياستها الخارجية لا تعمل ما هو مطلوب من أجل كسب ود الشعوب الأخرى، ولا تطرق أبواب الدبلوماسية الموازية في العالم كالأحزاب والجمعيات والمنظمات الحكومية والغير حكومية ومستوى الدبلوماسية عندنا وآلية عملها وبعض الأشخاص الذين يقودنها فشلوا فشل ذريع في إيصال قضيتنا إلى العالم بصورة نموذجية تبين عدالة القضية التي ندافع عنها كما عجزوا أيضا عن جعل المحافل الدولية والعالمية التي تتناول قضيتنا بأن تتناولها وتطرحها بشكل حقيقي يتماشى مع عدالة قضيتنا وحقيقتها.
مشكلة الثالثة: وهي عجز الجماعة القيادية في إنتاج نظام إقتصادي تتبعه في سياستها من أجل تخفيف الضغوطات والمشاكل الاقتصادية والإجتماعية الجمة والمتعددة ومختلفة المصادر والتي يصعب التحكم بها نتيجة الظروف القاسية التي نعيش فيها فالأسعار في ارتفاع مستمر دون رقابة وقرارات حكومية والمشاكل الإجتماعية متزايدة وفي تطور مستمر فالجريمة أصبحت أكبر مما كانت عليه سابقا، هذا العجز يوضح حقيقة أن هذه القيادة لا تفكر في الواقع الذي يعيشه الشعب أو بالأحرى كأنها تعيش في عالم مختلف عما يعيشه فيه الشعب.
رغم وجود الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة ومقارنتها بعدد الشعب التي سيتم توجه له نظام إقتصادي بدائي وإصلاحات إجتماعية وسياسية، لكن لا توجد في هذه المنظومة الحاكم من يخمن في واقع الشعب وأحكموا على تضمير العنصر البشري وهدر الإمكانيات العامة.
المشكلة الرابعة: تكمن في عدم القدرة على وضع تصور حقيقي للبناء المؤسسات العامة تصور مبني على بينة وبصيرة، فدائما ما كانت القبلية والمحسوبية موجودة في المؤسسات فكل وزير يعين يجلب معه رجالاته يزعم أنهم إطارات ويبدأ في إزاحة إطارات المؤسسة التي عين على رأسها، وحال ما يباشر الإطار السامي عمله يبدأ في نشر الدعاية والبغض والكراهية والإشاعات بين إطارات المؤسسة من أجل تفريق بين هؤلاء الإطارات، هكذا سلوك ونهج يوضح مدى الرؤية الضيقة للقيادة التي كان الأجدر بها أن تجمع الإطارات المؤسسة على أسلوب عمل موحد ورفع كفاءتهم وقدرتهم العملية والعلمية بدل من تفريقهم من أجل اللعب على أهواء شخصية والتصرف بالمال العام وهي حقا على رأي المثل فرق تسود.
المشكلة خامسة: ولعل هذه المشكلة غريبة وعجيبة وتتمثل في إستسلام القيادة للراغباتها النفسية وللراغباتها القبلية وما تفعله هذه المجموعة من هدر للمال العام في راغبات شخصية وأخرى عائلية وإستعمالها للسلطة بغير وجه حق ودخول هذه الجماعة في وسطات قبلية وأخرى في إنتماءات أوسع من أجل بسط نفوذ القبيلة ما هو إلا دليل قطعي على أن هذه القيادة ضعيفة نفسيا ولم تقاوم رغباتها الشخصية ورغبة إنتماءاتها القبلية.
وتوجد وهناك مشكلة سادسة وسابعة وثامنة والعديد من المشاكل اللامتناهية والتي تدخل في خضم الإشكالية الرئيسية وهي لماذا تستمر المنظومة القيادية بالإستخفاف بالعقل الشعب الصحراوي والسير على هكذا نهج فاسد رغم تنامي مظاهر الوعي فيه.
إن هذا الواقع مرفوض ولم يأتي هذا الرفض من اليوم بل في كل مرة ومنذ سنوات عديدة وفي كل مرة يعبر فرد أو عدة أفراد لرفضهم القاطع لهذا الواقع وكل فرد أو مجموعة أفرد تعبر عن رفضها بأسلوبها الخاص فمنهم من يعبر بالكتابة ومنهم من يأنى بنفسه ومنهم يهاجر خيفة أن يحسب عليه أنه شارك في اللعبة القذرة التي استولت فيها هذه المجموعة على حق الشعب وميعت قضيته ودنست كرامته.
لقد حان الوقت لتصحيح المسار والرجوع للهدف الأصلي والرئيسي، وحتى نتمكن من تقويم الإعوجاج وتصحيح الإنحراف يجب على المنظومة القيادية أن تأخذ الجبهة الشعبية نحو دورها الحقيقي والفعلي وفصل دور الجبهة عن دور الدولة، بحيث يكون الهدف الأعلى هو تحقيق الإستقلال ولا شيء سوء الإستقلال، بالإضافة إلى بناء دولة ذات مؤسسات تسيير بنظرة ثاقبة وبرؤية مستشرقة للمستقبل طواقة للتطوير الذات والنهوض بالفكر ورفع المستوى من أجل بناء دولة صحراوية يحكمها القانون تتكافئ فيها الفرص تتساوي فيها الأفراد تحارب فيها القبلية والجهل يعطى للكفاءة الفرصة وتمكن وتتحقق فيها العدالة الاجتماعية.
ما أريد أن أصل إليه من خلال هذه التساؤلات والإجابة عليها وهاتيه المشاكل الجزئية التي تشكل المشكلة الرئيسية أنه يوجد حلول أحلها مر لكنها مرارة وقساوة في سبيل الإصلاح وإعادة كل الأمور إلى مواضعها وتسمية الأشياء بتسميتها الصحيحة وهذه الحلول هي:
الحل الأول: هو تبني جمهورية جديدة بدستور جديد وقانون جديد تتمتع فيها السلطة القضائية والتشريعية والرقابية بالإستقلالية عن السلطة السياسية المنفذة تتماشى مع متطلبات العصر وطموحات الشعب السياسية والفكرية، دولة تحتضن كل الصحراويين بدون إستثناء تتساوى فيها الأفراد وتتكافئ فيها الفرص يكون فيها الأمين العام للجبهة هو رئيس الجمهورية تلقائيا أما أعضاء الحكومة فتكون حكومات كفاءات حكومة تكنوقراط أي الرجل المناسب في المكان المناسب.
الحل الثاني: هو فصل الجبهة الشعبية عن الدولة وترك الحرية لشعب في إختيار انتماءاته السياسية ومعتقداته الفكرية والسماح بتأسيس أحزاب تتماشى مع رؤية الأفراد وطموحاتهم السياسية ورغبتهم الفكرية أحزاب تتنافس فيما بينها نحو مركز صنع القرار ونحو الإبداع ورفع الهمة والتنافسية وتكون الانتخابات الحكم بينهم.
الحل الثالث: تحكم فيه الجماعة الحالية وتكون فيه الأمانة العامة غير منفذة تكن مهتمة بتأطير حول الجبهة الشعبية وإصلاح المسار الجبهة، ولكن أيضا مطلوب إصلاح النفس الحاكمة وترويضها على خدمة الصالح العام وتكون هناك قوانين رادعة للفساد بكل أنواعه وأشكاله بالإضافة إلى آليات المحاسبة والتخلص من المجلس الإستشاري وتحكيم القانون، أنا شخصيا لا أحبذ هذا الحل لكونه يعيد نفس الأفراد للمشهد السياسي ولست مقتنع بصلاح البعض.
0 تعليقات