
أربك الانتشار السريع لفايروس كورونا الحكومة التونسية التي يبدو أنها أضاعت بوصلة قيادة الأزمة، وسط تحذيرات من أن الوضع بات خارجا عن السيطرة.
ووصف هشام عوينة رئيس وحدة كوفيد - 19 بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة التونسية مساء السبت الوضع الوبائي بالخطير، مرجّحا تواصل المنحى التصاعدي للإصابات بفايروس كورونا خلال الفترة القادمة.
وقال عوينة في تصريح للقناة الوطنية الأولى إنّ أعداد الإصابات الحقيقية تفوق بكثير الأعداد المعلن عنها، محذّرا بالخصوص من الإصابات الخطيرة التي تستوجب الإقامة في المستشفيات.
وأشار إلى وجود ضغط كبير على أسرة الأكسيجين وأسرة الإنعاش في المستشفيات، وهو ما قد يجعل الأطباء يختارون من يتمّ نقلهم إلى الإنعاش، مضيفا "بدأنا نختار من يمكن نقله للإنعاش، وهذا موقف لا يرغب أي طبيب في أن يجد نفسه فيه".
وأكّدت نصاف بن علية الناطقة باسم وزارة الصحة ومديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة السبت أنّ الوضع الوبائي صعب وخطير ويتطلب اليقظة والحذر وتفعيل جميع شروط الوقاية وقرارات اللجنة العلمية، خاصة المتعلقة بحظر الجولان والتنقل بين المدن وإجبارية ارتداء الكمامة.
وقالت بن علية إن الوضع خطير في 19 ولاية (محافظة)، و120 معتمدية (منطقة) ذات خطورة مرتفعة، وانتشار مجتمعي لهذا الوباء نتيجة التراخي خلال شهري نوفمبر وديسمبر.
وأشار هاشمي الوزير، عضو الهيئة الوطنية لمجابهة كورونا، الخميس إلى أن تونس تشهد حاليا انتشارا شاملا للجائحة، إذ انتقلت منذ مدة إلى المرحلة الوبائية الرابعة بعدما كانت في المرحلة الثالثة التي اقتصرت على ظهور بؤر وبائية.
ورغم إطلاق العديد من الأطباء صيحات فزع متتالية، إلا أنها لم تجد صداها لدى حكومة هشام المشيشي، التي لم تفلح في الحد من انتشار الفايروس، على غرار الحكومة التي سبقتها، بسبب ارتباك أدائها وعدم قدرتها على التطبيق الصارم للإجراءات الصحية الوقائية، بحسب وصف بعض الأحزاب التونسية المعارضة.
ويتهم سياسيون ونشطاء المشيشي بالانشغال عن الأزمة الوبائية في خوض معارك سياسية نيابة عن حزامها المشكل من حركة النهضة الإسلامية وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة.
واتهم رئيس حزب مشروع تونس محسن مرزوق، الذي كان أعلن في وقت سابق عن إصابته بالفايروس، الدولة بإهمال يرتقي إلى حد الجريمة في حق الشعب، بسبب عدم توفير اللقاحات.
وقال مرزوق "أكثر من خمسين دولة بدأت التلقيح وتسابق الزمن لتقوم بتلقيح كافة مواطنيها، أما في تونس فرئيس الجمهورية لا يهمه الموضوع ورئيس الحكومة أشار إليه في حوار صحافي".
وأضاف أن "الضغط على لقاح فايزر كبير، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، فلن ننال اللقاح إلا أواخر مارس أو أبريل. يعني نكون قد ضحينا بسنة 2021 اقتصاديا وأهم من ذلك بضحايا آخرين".
وتشهد تونس خلال الأشهر الأخيرة ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات بفايروس كورونا، وسط ذهول أعضاء الحكومة، وعدم قدرتهم على تطويق انتشار الوباء بسبب انشغال المشيشي بالضغوط السياسية التي يمارسها عليه الائتلاف البرلماني، الذي يطالب بتغيير طبيعة الحكومة من "تكنوقراط" إلى حكومة أحزاب.
وبلغ عدد الإصابات بفايروس كورونا في تونس 157 ألفا و514 حالة، وخمسة آلاف و153 حالة وفاة، علما أن البلاد أعلنت شهر يونيو سيطرتها على انتشار الفايروس.
ولئن فرضت حكومة المشيشي منذ أغسطس الماضي بعض الإجراءات لمنع تفشي فايروس كورونا، على غرار منع التجمعات وحظر التجول ليلا، فإنها بدت، وفق مراقبين، غير ناجعة في وقت تشهد فيه الأسواق ووسائل النقل العمومي ازدحاما كبيرا.
ولم تستجب حكومة المشيشي للتوصيات التي اقترحتها اللجنة العلمية التونسية لمجابهة الفايروس، ورفضت الإعلان عن حجر صحي شامل مجددا، خوفا من أزمة اقتصادية قد تضرب البلاد، وتجنبا لضغوط بعض رجال الأعمال الذين يرفضون العودة إلى فترة إغلاق المؤسسات من جديد.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد اقترح مساء الجمعة فرض حجر صحي شامل في الولايات التي تشهد انتشارا كبيرا لعدوى فايروس كورونا، على غرار ولاية صفاقس التي ارتفعت فيها حالات الإصابة والوفاة الناجمة عن الجائحة.
وحمّل سعيد الحكومة المسؤولية الكاملة عن عدم تطبيق القرارات اللازمة، داعيا إلى ضرورة التسريع في استيراد اللقاحات المنتجة ضد كورونا.
وبرز ارتباك العمل الحكومي في تونس في المجال التربوي وتذبذب الموسم الدراسي نتيجة القرارات الحكومية غير المجدية، ما تسبب في تسجيل حالة وفاة في صفوف التلاميذ الجمعة، والمئات من الإصابات في الوسط المدرسي.
وأمام هذا الوضع الخطير تتالت الدعوات إلى إعلان حظر شامل، غير أن الحكومة لا تزال مترددة في اتخاذ مثل هذا القرار لاسيما مع تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.
وتشتكي المؤسسات الاقتصادية في البلاد من عدم قيام حكومة هشام المشيشي باتخاذ إجراءات فعالة لمساعدتها على تجاوز تبعات الأزمة، الأمر الذي بات يهدد العديد منها بالإفلاس خصوصا المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
وارتفعت نسبة البطالة نتيجة جائحة كورونا إلى حدود 18 في المئة. كما زادت نسبة الفقر بـ15.2 في المئة، وأصبح عدد التونسيين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر، بحسب المعهد الوطني للإحصاء، يقدّر بنحو 1.7 مليون تونسي من جملة 11 مليون نسمة.

0 تعليقات