تتعدد المهارات التي يجب أن يمتلكها المحرر الصحفي، لكن في زمن سيطرة الإعلام الإلكتروني على مصادر الأخبار، أصبح الإيجاز أو اتقان ميزة "الاختصار" هي الأهم، من دون الإخلال بجوهر المعلومة ووصولا إلى محتوى أكثر قوة ووضوحًا. ويمكن تعريف اختصار الكلام بأنه الإيجاز من دون إخلال بحذف شيء منه، والفرق بين الاختصار والاقتصار، أنّ الأول ما كان قليل اللفظ، كثير المعنى، أما الاقتصار ما كان قليل اللفظ والمعنى.
والإيجاز لا يقل أهمية عن أي مرحلة في الكتابة الصحفية بدءًا من اختيار وتحديد الفكرة وصولاً إلى إخراج المادة بشكلها النهائي ونشرها؛ إذ إن الإفراط في السرد والتشعب في الجمل والصفات والمعلومات أو الإنشاء، بعيدا عن الهدف المحدد في "إيصال المعلومة" يمثل طريقة مباشرة يتيه بها القارئ!
وللوصول إلى مادة صحفية متزنة بدون الاختصار المخل والتطويل الممل، فالأمر يستلزم بداية الفهم الجيد للفكرة المراد الكتابة عنها سواء مقالا أو تقريرا أو تحقيقا وغيرهم من فنون الكتابة، والحرص ثانيا على الإحاطة المعلوماتية عبر الإجابة على الأسئلة الستة (مَن، متى، أين، كيف، ماذا، لماذا) قدر الإمكان.
وثالثا تأتي مهمة تدعيم المادة بخلفيات معلوماتية وتفاصيل أخرى وفق الحاجة، بما يضمن الوصول إلى مادة متكاملة الأركان، بعيدا عن الحشو الذي قد يأتي على شكل استفاضة بالشرح دون فائدة، أو تكرار المعلومات بمعاني وأساليب مختلفة بين السطور، وقد يكون بالاستطراد خارج الموضوع الأساسي، أو وتأكيد المؤكد وتفسير المفسر.
يزيد من محاذير ذلك أن يكون هذا الإفراط ناجما عن ضعف في القدرات اللغوية للصحفي، أو عدم تمكنه من المعلومات، أو الغرق في فكرة فضفاضة.
مثلا، إذا كان الصحفي سيصف في مقدمة مادته مشهد عودة الطلبة إلى المدارس مع جائحة كورونا، عليه أن يحدد زاوية ينطلق منها، ثم التعبير عنها بكلمات "مدروسة" تؤدي المعنى المراد، وإذا كان هذا المشهد هو الطلبة الذين يصطفون مع مراعاة التباعد الاجتماعي، يمكنه القول: "يبعد كل طالب عن الآخر مترًا في صفوف"، بدلا من: "يصطف الطلبة في صفوف منتظمة ويبعد كل واحد منهم عن الآخر بمسافة متر مربع فيما بينهم".
وإذا كان يريد إيصال معلومة للجمهور المحلي داخل الأردن مثلا، يمكنه القول: "تلقى الحملة الأمنية الواسعة على البلطجية وفارضي الإتاوات دعما شعبيا واسعا"، بدلا من: "حظيت الحملة الأمنية ضد الزعلان والبلطجية وفارضي الإتاوات، التي بدأت الأجهزة الأمنية تنفيذها في مختلف مناطق المملكة عقب جريمة فتى الزرقاء التي هزت الشارع الأردني، دعما واسعا من قطاعات شعبية مختلفة".
وكذلك ينطبق الإيجاز على الجغرافيا، فبدلا من قول: "قناةٌ السويس التي اكتملت أعمال إنشائها في عام 1869م، هي مجرى مائي اصطناعي يصل البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط"، فيمكن الاكتفاء "قناة السويس الواصلة بين البحرين المتوسط والأحمر".
وعلى الزمان، فبدلا من قول: "شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 1990"، يمكن القول: "أكتوبر/تشرين الأول 1990".
وعلى الألقاب والصفات، فبدلا من قول "دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية" في كل الفقرات، يمكن الاكتفاء بهذا الوصف في المرة الأولى، ثم استخدام اسم العائلة فقط، أو أوصاف أخرى يستدعيها السياق.
ويتحقق الإيجاز عبر الاستغناء عن الزوائد اللفظية، فبدلا من قول: "قام الرئيس بزيارة"، يمكن القول: "زار الرئيس"، وبدلا من قول: "تمت صناعة آلة"، يمكن القول: "صُنِعت آلة".
ومن المحاذير، تقديم معلومات أو أوصاف لا تضيف للقارئ شيئا، ولا تنسجم مع السياق.
وفي الصحافة الإلكترونية تحديدا، يمكن تدعيم المادة بأدوات إيضاح مساعدة وفنون عرض متنوعة، مثل: الانفوجرافيك والانفو فيديو والقصص المصورة.
10 نصائح لكتابة وتصميم انفوجرافيك احترافي
ومن الأساليب المساعدة على تقديم محتوى صحفي يتميز بالاختصار، الجداول والرسوم البيانية التي يستفاد منها في عرض وتبسيط الإحصائيات خاصة في المحتوى الاقتصادي بدلا من الاستطراد في شرح الأرقام ومداولتها.
ومن الجيد أيضا إجادة تفعيل الروابط التشـعبية/الفائقة، بما يتيح إحالة القارئ إلى تفاصيل أخرى في مادة منشورة مسبقا داخل الموقع الإلكتروني، وهنا لا يجد المحرر نفسه ملزما بإعادة كتابة ما سبق نشره حفاظا على الاختصار، إنما يستكفي بعمل وصلة تشعبية بين المعلومة والمادة الأرشيفية.
ومن أسرار تحقيق الإيجاز إعادة الصحفي قراءة المادة بعينه الصحفية مرة، وبعين القارئ مرة أخرى.
وفي هذا المضمار، أصدر معهد الجزيرة للإعلام دليلا عن "الإيجاز في الكتابة الصحافية"، يتناول قيمة الإيجاز في الكتابة وأثره في إحكام الصياغة وإتقان المادة الإعلامية المسموعة والمقروءة، مع ذكر أمثلة حية لقصص إخبارية صيغت بالكثير من الحشو، ثم أخضعت "للاقتصاد" اللغوي من دون الإخلال بالمعنى.
لتحميل الدليل من هنا.
0 تعليقات