تابعنا في الأسبوع الماضي وقائع الانتخابات البرلمانية في قيرغيزستان، والتي شابها كثير من الانتهاكات والتزوير، وامتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بفيديوهات توثق ذلك.
اعترفت بعض الدول والمنظمات الدولية بنتائج الانتخابات، بما في ذلك منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. إلا أن الأحزاب المهزومة في الانتخابات رفضت الاعتراف بنتيجتها، وزجت بأنصارها إلى الشارع في تظاهرات واحتجاجات. وفي 5 أكتوبر الجاري، اقتحم نحو ألفي متظاهر مبنى البرلمان والمقر الرئاسي وعدة وزارات واستولوا عليها.
في اليوم التالي استقال رئيس بلدية العاصمة بشكيك وعدد من المحافظين ورئيس البرلمان.
أطلق المحتجون سراح الرئيس السابق، ألمازبيك أتامباييف، الذي اشتهر بقمعه الحريات المدنية والمعارضة، وتعيين سائقيه وحراسه الشخصيين في أرفع المناصب الحكومية، حتى أدرج هؤلاء لاحقا في قائمة أغنى 100 شخصية في جمهورية قرغيزستان. وكان بعض الحراس الشخصيين للرئيس السابق يواجهون أحكاما بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل، إلا أن الرئيس أطلق سراحهم بموجب عفو رئاسي عقب وصوله للسلطة.
بعد إعفائه من منصبه، حكم على أتامباييف بالسجن لمدة 11 عاما بتهمة الفساد، وتحديدا لإطلاقه سراح أحد زعماء المافيا القيرغيزية بشكل غير قانوني.
في خضم الأحداث أيضا، أطلق سراح رئيس الوزراء السابق، صديق جاباروف، والذي حكم عليه بالسجن في عهد الرئيس أتامباييف لقيامه باحتجاز أحد المحافظين كرهينة. بالإضافة إلى ذلك تم الإفراج عن اثنين من رؤساء الوزراء السابقين، الذين كانوا يقضون أحكاما بالسجن في قضايا فساد.
فورا، وفي اليوم التالي، 6 أكتوبر، قام نواب محبطون من الأحزاب الحاكمة، تحت ضغط من المعارضة، بتعيين جاباروف رئيسا مؤقتا للوزراء. لكن ذلك لم يرق لجزء من المعارضة، ما دعا البعض إلى الاحتجاج على تعيين جاباروف. في الوقت نفسه أعلن أحد زعماء حزب من أحزاب المعارضة، تيليك توكتوغازييف، نفسه رئيسا للوزراء.
تواصلت الأحداث في التفاعل فأنشأت الأحزاب الخاسرة مجلسا للتنسيق، لكن جزءا من المعارضة، ممن تجاوزته بعض الحقائب الوزارية، وقاطعوا الانتخابات جملة وتفصيلا، أنشأوا مجلسا آخر للتنسيق، والآن أصبح في البلاد مجلسا تنسيق، بينما تتواتر أنباء عن وجود ثلاث لجان تنسيقية.
من جانبه أعلن النائب القرغيزي السابق، ألمابيت شيكماماتوف، أنه أصبح القائم بأعمال المدعي العام في قيرغيزستان، وألغى نتائج الانتخابات البرلمانية.
على التوازي، أعلن الرئيس السابق لوزارة الداخلية القيرغيزية، كورسان أسانوف، والذي حوكم لإخفاء الأدلة في قضية الرئيس السابق للجمهورية أتامباييف، نفسه قائدا للعاصمة القيرغيزية بيشكيك، ووزيرا للداخلية بالوكالة.
في صباح يوم 7 أكتوبر، وبعد طابور الصباح أمام أسانوف، اختفت الشرطة من الشوارع، ما أدى إلى انتشار أعمال السطو والنهب، بل وصل الأمر إلى قيام أحد الأشخاص بالاستيلاء على إحدى شركات تعدين الذهب ونهبها.
على الجانب الآخر، أبدت السلطة الحاكمة في البلاد في شخص الرئيس، سورونباي جينبيكوف، ترددا وارتباكا، ثم وافق الرئيس، 6 أكتوبر، على إلغاء نتائج الانتخابات. بعد ذلك ألغت لجنة الانتخابات المركزية النتائج، وأعلن رئيسها أن موضوع حل مجلس النواب الحالي قيد البحث، ثم تقدمت باستقالتها. من جانبهم أعلن بعض نواب المجلس الحالي عن الشروع في إجراءات لعزل رئيس الجمهورية.
بحلول 8 أكتوبر، اختفى الرئيس، ولم يره أحد منذ عدة أيام، لكنه يتواصل عبر الهاتف بشكل دوري، في الوقت الذي قامت فيه المعارضة بإغلاق حدود البلاد مع العالم الخارجي.
هكذا أصدقائي الأعزاء، وفي محاولة طموحة لسحب المشاهدين بعيدا عن المسلسل الكوميدي الذي يحمل عنوان "الانتخابات الأمريكية"، قررت قيرغيزستان أن تضع معايير جديدة للفوضى والعبثية في العصر الحالي الذي ينهار فيه النظام العالمي القديم، بينما يحاول كل بلد على حدة، بعيدا عن رقابة "الرفاق الكبار"، أن يثبت ذاته ويعلن عن وجوده.
إن قيرغيزستان هو بلد عشائري، تتقاتل فيه عشائر "الشمال" مع عشائر "الجنوب"، وهذا هو السبب الرئيسي للثورة الثالثة منذ مطلع القرن الحالي. بالطبع، هناك تأثير كبير للغرب، بما في ذلك من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، التي تخصص أموالا للمنظمات القيرغيزية غير الحكومية على نحو منتظم.
ومع ذلك، فإن القوة الرئيسية المتسببة في الأحداث الراهنة هي استياء المواطنين المزمن من أي حكومة عاجزة عن تحسين الحياة في سياق الأزمة الاقتصادية العالمية المتزايدة، وكذلك حرب العشائر على السلطة.
من جانبها، تراقب موسكو، حليف قيرغيزستان بموجب معاهدة الأمن الجماعي، هذا السيرك بقدر من الإرهاق واللامبالاة، وليس لديها أدنى رغبة في التدخل. وبما أن قيرغيزستان تعتمد بشكل كبير على روسيا، فسيتعين على أي حكومة هناك البحث عن طريقة للحصول على دعم الكرملين في نهاية المطاف. كذلك فإن لدى روسيا ما يكفي من المشاغل والقضايا حول العالم، والتي لا تجعل مما يحدث في قيرغيزستان أولوية بالنسبة للكرملين. لهذا تنتظر روسيا عودة الأوضاع إلى نصابها الطبيعي، حتى تتحدث مع المنتصر.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
0 تعليقات