الدار البيضاء: سعيد غيدي*
بعد قرابة شهرين ونصف الشهر على اعتقال الصحافي المغربي عمر الراضي (33 سنة)، على ذمة التحقيق في قضية اغتصابه زميلته، تقدّم الوكيل العام في محكمة الاستئناف في مدينة الدار البيضاء، في 28 أيلول (سبتمبر)، بطلب إجراء تحقيق مع الشاهد الوحيد في ملف عمر، الصحافي عماد استيتو. إلا أنّه سرعان ما أصبح الأخير متهماً أيضاً بـ «المشاركة في هتك عرض أنثى بالعنف والمشاركة في الاغتصاب»، فيما أدانت «مراسلون بلا حدود»، توظيف القضايا الجنسية ضد الصحافيين المستقلين في المغرب. حالما أعلن المحامي محمد المسعودي، عضو هيئة الدفاع عن الصحافي عماد استيتو، الخبر عبر صفحته الفايسبوكية، انتشرت المعلومة كالنار في الهشيم، وانخرط سياسيون ونشطاء ومثقفون وصحافيون، في نقاش عام، حول التهم الجنسية، التي توجّه إلى الصحافيين المحسوبين على الصحافة المستقلة، وحول سياسة «كسر العظام» التي ينتهجها جهاز الشرطة ومؤسسة القضاء، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بصحافيين يكتبون عن «الممنوع» داخل نظام الدولة المغربية.
مزعج للسلطات
برنامج إسرائيلي للتجسّس عليه
مرّ على فضيحة أراضي خدام الدولة أربع سنوات، قبل أن تنشر منظمة العفو الدولية، تقريراً مطولاً في 22 حزيران (يونيو) 2020، تكشف فيه بالأدلة تورط السلطات المغربية في عملية «التجسس» على الصحافي عمر الراضي على مدى عام كامل، عبر زرع برنامج في هاتفه، اسمه NSO، تابع لإحدى الشركات الإسرائيلية الرائدة في هذا النوع من الخدمة. بعدها، كشفت تقارير في «واشنطن بوست» و«ذا غارديان» و«نيويورك تايمز» وغيرها من الجرائد والمواقع الدولية، أن البرنامج نفسه المستخدَم لتعقّب عمر، كانت السلطات السعودية قد استخدمته لتعقّب الصحافي المقتول جمال خاشقجي من طرف المخابرات. وفي وقت سابق من الشهر نفسه، نُشر اسم زميلته في السكن ضمن مقال على موقع إخباري شهير، يقول عمر إنه يُستخدم أحياناً من قبل أجهزة الاستخبارات لتشويه سمعة الصحافيين. واتّهم المقال الشابة بإقامة «علاقة خارج إطار الزواج»، زاعماً أن عمر رُصِد في حالة سُكْر في الشارع. وتضمّن المقال أيضاً تفاصيل محادثة هاتفية أجراها مع باحث أميركي. أما عمر، فقد علّق على كل ذلك، قائلاً: «إنهم يبحثون عن حجج لتشويه صورتي، وتقويض مصداقيتي علناً»، مضيفاً أنَّ المقال كان يُفترض أن يكون أيضاً بمثابة تحذير له بأنّه تحت المراقبة.
صفعة للمملكة
بناء على كلّ هذه المعطيات، كانت منظّمة «مراسلون بلا حدود» قد وجّهت قبل أسبوعين «نداءً عاجلاً» إلى المقررة الخاصة بالأمم المتحدة المعنيّة بالعنف ضد المرأة، لطلب إدانة علنية لتوظيف القضايا الجنسية ضد الصحافيين المنتقدين في المغرب. وأشارت إلى أنّ الأخير يحتلّ المرتبة 133 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2020 الذي تصدره المنظمة. وشدّدت الأخيرة على أنّه «إن كان من الطبيعي أن يُؤخذ أيّ ادعاء بالاغتصاب أو الاعتداء الجنسي على محمل الجد وأن يقع التحقيق فيه بجدية، فإنّ «مراسلون بلا حدود» تقدّم قائمة لمعطيات عدة تشكّك في مصداقية عدد من التهم». وقال بول كوبان، مسؤول القسم القانوني في المنظمة إن «اتهام صوت ناقد بالاغتصاب أصبح ممارسة معروفة لأجهزة الاستخبارات المغربية، من أجل ضرب مصداقية الصحافيين والحدّ من إمكانية دعمهم، وهذا الأمر بيّنٌ في قضية عمر الراضي، مثلما كان الأمر مؤخراً في قضايا تُورّط عدداً من الصحافيين. وهذه الأساليب إذ تعيق الصحافيين المنتقدين، فإنها تُضعف النضال من أجل حقوق النساء أيضاً». وتعليقاً على «مراسلون بلا حدود»، قال الكاتب المغرب المعطي منجب، «إن نداء المنظمة القاسي، قد أصاب صورة المغرب في مقتل»، مؤكداً «أن السلطات المغربية لجأت، خلال السنوات الأخيرة، إلى التوظيف السياسي للتهم الأخلاقية والمالية ضد الصحافيين والمعارضين، سواء منهم المعتدلون أو الراديكاليون، الإسلاميون أو العلمانيون. بل إنّ أيّ سياسي تجرأ على انتقاد السلطة، ولو كان يشتغل من داخل منظومة الحكم، قد يتعرّض لهجوم من شبكة أمنية-إعلامية أصبحت مهابة الجانب. إنها تتحرك الآن في وضح النهار كما قد استحالت تدريجاً، منذ سنة 2011، قوةً ضاربةً على المستوى المالي واللوجيستي».
وفي سياق مشابه تماماً، أصدر تحالف مستقلّ لنسويات مغربيات عريضةً يؤكد فيها أنّ «إدانة الاغتصاب والعنف الجنسي واستغلال أجساد النساء يجب أن تمرّ أيضاً برفض توظيفهن في قضايا سياسية»
بيان وبيان مضاد
بعد ثلاثة أيام على تفجير العفو الدولية قضية تورط السلطات المغربية في «التجسس» على عمر الراضي التي شغلت الرأي العام المغربي والدولي، وجد عمر الراضي نفسه أمام الشرطة القضائية يوم 25 حزيران (يونيو) 2020 للاستماع إليه في قضية جديدة تتعلق «بالاشتباه في تورطه في الحصول على تمويلات من الخارج لها علاقات بجهات استخبارية» وفق ما جاء في بيان للنيابة العامة المغربية. أما على المستوى الرسمي، فقد نفى المغرب كل ما جاء في تقرير منظمة العفو، وطالبها بمدّه بالأدلة عن مزاعمها، متّهماً إياها في بيان رسمي «أنّ نشر التقرير وما صاحبه من تعبئة 17 منبراً إعلامياً عبر العالم لترويج اتّهامات غير مؤسسة، يندرج في إطار أجندة تستهدف المغرب، جزء منها مرتبط بجهات حاقدة على المملكة وأخرى لها علاقة بالتنافس بين مجموعات اقتصادية على تسويق معدات تستعمل في الاستخبار». وكشفت معلومات تضمنها تقرير أصدرته «منظمة حريات الإعلام والتعبير» المعروفة اختصاراً بـ «حاتم» سنة 2015، أن المغرب حصل سنة 2011 على بنية المراقبة EAGLE التي تسمح له بفرض الرقابة على الإنترنت، ومراقبة حركة الولوج. كما يرد اسم المغرب في قائمة الدول التي اشترت تقنيات المراقبة من شركات سويسرية سنتي 2013 و2014.
عمر في السجن: التهمة اغتصاب
عماد الشاهد... عماد المتهم
تحوّل الصحافي عماد استيتو الشاهد الوحيد في القضية إلى «مشارك في الاغتصاب»!
0 تعليقات