اشترك في النشرة البريدية

جديد سلسلة "ترجمان" للمركز العربيّ "الرقابة الشاملة" لأحمد سعدي


 صدر عن سلسلة "ترجمان" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب الرقابة الشاملة: نشأة السياسات الإسرائيلية في إدارة السكان ومراقبتهم والسيطرة السياسية تجاه الفلسطينيين، وهو ترجمة الحارث محمد النبهان العربية لكتاب أحمد السعدي بالإنجليزية (Thorough surveillance: The genesis of Israeli policies of population management, surveillance and political control towards the Palestinian).

هذا الكتاب نتاج أعوام طويلة من البحث والإعداد والحصول على مواد أرشيفية لم تنشر، ومحاولة جادة لوصف المؤسسات والطرائق التي استعملتها إسرائيل لحكم الفلسطينيين منذ عام 1948 حتى نهاية الحكم العسكري (1966). ويمكن تصنيفه وثيقةً تؤرخ لحياة الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم ومدنهم وقراهم بعد قيام إسرائيل، وتصف معاناتهم وحياتهم في تلك الحقبة الحاسمة من تاريخهم.

تشكُّل الخطاب

يتألف الكتاب (376 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من سبعة فصول وملاحظات ختامية. وفي الفصل الأول، "تشكُّل الخطاب"، يناقش المؤلف أسس خطاب إسرائيلي متعلق بالأقلية الفلسطينية، وأحوال ظهور هذا الخطاب وتَبلوره. وبحسب المؤلف، ثمة عوارضُ كثيرة أثّرت في هذا الخطاب، "بما في ذلك طلب إسرائيل الانضمام إلى عضوية منظمة الأمم المتحدة، والأسئلة المتعلقة بالحدود واللاجئين، والانتخابات الإسرائيلية للكنيست الأول التي جرت في كانون الثاني/ يناير 1949، ووضع الأقليات اليهودية في أنحاء العالم".

نشأ هذا الخطاب بسبب وجود الجزء الأكبر من الفلسطينيين الباقين ضمن الأراضي التي حازتها الدولة اليهودية في الجليل، أي المنطقة التي كانت ممنوحة للدولة العربية في فلسطين، طبقًا لخطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة. من هنا، يقول المؤلف: "لم يكن مصير هذه الأقلية شأنًا إسرائيليًا داخليًا فحسب، بل أمرًا يهم المجتمع الدولي أيضًا. والأكثر أهمية في هذه الدراسة هو أن ذلك الخطاب الذي تشكل خلال الأعوام الأربعة الأولى من عمر الدولة يضع الإطار العام، وكذلك المعايير والحدود التي سوف يجري ضمنها التعاطي مع الأقلية الفلسطينية ومناقشة أمرها".

يستدلّ المؤلف في الفصل الثاني، "السياسات"، على أن هذا الخطاب لم يكن مقصورًا على عالم الأفكار والمجادلات، بل كان على صلة وثيقة بممارسة سلطة الدولة أيضًا، من أجل مراقبة السكان الفلسطينيين وإدارتهم. فيتناول ترجمة هذا الخطاب إلى مبادئ موجِّهة للسياسات، وإلى مبادئ وخطط شاملة. وبحسب رأيه، فإن كلًّا من وجود هذه المبادئ الموجِّهة وهذه الخطط "يدحض الإجماع السائد في كتابات الدارسين [...] مثلما بينت آنفًا، على انتفاء وجود سياسات للدولة إزاء الفلسطينيين".

فرِّق تسُد

في الفصل الثالث، "الإطار القانوني والمؤسسات ومقاربات السلطة"، يتناول المؤلف بالوصف، وبالتحليل أيضًا، الأطر القانونية والمؤسساتية التي جرى حكم الفلسطينيين من خلالها، "وهي التي كانت أدوات تنفيذ المبادئ الموجهة والخطط". ويجري تحليل عمليات الضبط بموجب هذه الأطر العامة ضمن علاقتها بشكلين اثنين، مؤسَسَين نظريًا على نحو جيد، من أشكال الضبط السياسي الحديث: السجن المراقَب مراقبة جماعية، وحالة الاستثناء. وتتضح للمؤلف حقيقة أن هذين الأنموذجين كانا مشتَغِلَين من خلال الاستعارات والحجج التي تظهر في كتابات الشهود والمعلقين والدارسين ممن تناولوا تلك الفترة.

ويناقش المؤلف في الفصل الرابع، "فرِّق تسُد"، سياسة بناء الفلسطينيين المفهومي؛ باعتبارهم غير يهود، وباعتبارهم مجموعة متنوعة من الأقليات المنعزلة. وهوية الجماعة، وبنيتها المُبلقنة هذه، كانتا - فضلًا عن غايتها السياسية - أداة أساسية من أدوات الرقابة والضبط السياسي. لذا، يناقش المؤلف كيف جرى إنشاء صورة الفلسطينيين باعتبارهم غير يهود، وذلك من خلال ممارسات الدولة الكثيرة، ثم يُتبع ذلك بتناوله مسألة إنشاء صورة لهم تظهرهم كتشكيلة متنوعة من الأقليات.

كما يتناول هنا الخصوصية الدرزية فيقول إن صنّاع السياسات الإسرائيليين ميزوا الإثنية الدرزية، لأكثر من سبب: من الممكن استخدامهم صلة مع التجمعات الدرزية الكبيرة في سورية ولبنان، يضاف إلى ذلك أنهم اعتُبروا أداةً للمضي في استراتيجية دافيد بن غوريون المتمثلة في إقامة تحالف الأقليات غير العربية، أو غير المسلمة، في الشرق الأوسط، ثمّ إنّ إسرائيل وجدت الدروز مفيدين للأغراض الدعائية، كتقديم الحالة الدرزية مثالًا على الطبيعة لإنسانية التقدمية المنصفة للنظام الإسرائيلي، فضلًا عن النظر إلى الدروز من خلال المنظور الاستعماري باعتبارهم سكانًا محليين أصدقاء.

تقسيمات فرعية

يتناول المؤلف في الفصل الخامس، "التقسيمات الفرعية"، سُبل تطبيق رقابة الدولة وضبطها على المستوى المحلي. فعلى هذا المستوى الجزئي، استخدمت الدولة الوحدة الاجتماعية وثيقة الوشائج التي تدعى "الحمولة" لضبط السكان. وفي حين اتخذت هذه الوحدة الاجتماعية مكانة أساسية لدى الدارسين، وصارت علامة مميزة لبنية المجتمع الفلسطيني، فـ "إنه يجدر بي أن أصف الخطط والسياسات الرسمية الرامية إلى إحياء نفوذ الحمولة والوجهاء وتعزيزه؛ إذ جرى تحويل الحمولة، التي كان دورها التقليدي توفير السندين المعنوي والاجتماعي لأفرادها، إلى وحدة يمارَس ضبط الدولة من خلالها.

وصارت إدامتها أمرًا أساسيًا من أجل اقتصاديات الضبط والرقابة". وبحسب المؤلف، أدى ضبط الفلسطينيين من خلال انتمائهم إلى حمولات، والتلاعب بعلاقاتهم الاجتماعية على المستوى المحلي عبر سياسات الحمائل، بما في ذلك تشجيع المنافسة والخصومة بين العائلات، إلى عزل السكان الفلسطينيين عن بعضهم بعضًا، استنادًا إلى انتماءاتهم الاجتماعية وعلاقات القربى. وفي حين كانت سياسات التجزئة عاملة على المستوى الاجتماعي لتفريق الفلسطينيين على أساس الإثنية والدين وصلات القربى، سعت الدولة الإسرائيلية إلى تشكيل الوعي الفلسطيني عبر السياسات التعليمية أيضًا.

عقل على عقل

لا يحلل المؤلف في الفصل السادس، "سلطة العقل على العقل: الرقابة عبر التعليم"، الطرائق التي لم تقف بموجبها السياسة التعليمية عند تعزيز التجزئة الموصوفة من قبلُ فحسب، بل التي شجعت أيضًا في صفوف الطلبة والمعلمين، ما دعاه سيد حسين العطاس باسم "العقل الأسير".

يقول المؤلف: "يذهب العطاس إلى أن ما يجري إنتاجه في الأوضاع الاستعمارية هو عقل مُقَلِّد غير نقدي يحكمه مصدر خارجي، ولا يصدر التفكير فيه عن منظور مستقل. إن تركيزي لن ينصبَّ على ظهور هذا النمط من الوعي، بل على آليات إنشائه وأساليبه. وبالنظر إلى الخلفية التاريخية لتأسيس إسرائيل ولحال الأقلية الفلسطينية، وضع الأشخاص المسؤولون عن الفلسطينيين فعالية هذه السياسات موضع تساؤل. وفي حين أن النظام التعليمي يمكن أن يوفر إطارًا لنمو العقول الأسيرة، كان هؤلاء المسؤولون يخشون أن يؤدي التعليم إلى فتح آفاق الفلسطينيين المتعلمين وتمكينهم من قراءة الكتابات النقدية أو الهدامة. والواقع أن دور التعليم في نظام الضبط والرقابة في الدولة خضع لمناقشة مطولة بين المسؤولين عن الشؤون العربية".

حقوق سياسية

في الفصل السابع، "الحقوق السياسية في ظل الحكم العسكري"، يبحث المؤلف في مسألة الحقوق السياسية ومعناها في ظل الحكم العسكري. فالواقع أنّ منح الفلسطينيين حقوقًا سياسية، وممارستهم هذه الحقوق، في الانتخابات الأولى أدَّيا إلى تعزيز صورة إسرائيل باعتبارها ديمقراطية راسخة. ويتساءل المؤلف قائلًا: "أيستطيع مَنْ يعيشون في ظل حالة الاستثناء أن يحددوا طبيعة النظام السياسي؟ وإذا كانت الديمقراطية وحالة الاستثناء نقيضين، فكيف يمكن الحقوق السياسية أن تمنح سلطة لمن يعيشون تحت حكم عسكري؟". ثم يقول: "لعل إعطاء السكان الخاضعين تمثيلًا سياسيًا قد رمى إلى غايات أخرى غير تمكينهم من أن يكون لهم أثر في النظام السياسي! نحن رأينا أن الأنظمة الاستعمارية، على سبيل المثال، وفي مقدمها النظام الاستعماري البريطاني، عمدت إلى تعزيز النخب المحلية الكومبرادورية - أو الوسيطة - في المستعمرات. مع ذلك، ظلت هذه النخب زمنًا طويلًا تؤدي أدوارًا غير النضال من أجل التحرير. فهل ينسجم دور أعضاء الكنيست العرب، الذين انتُخِبوا ضمن قوائم الماباي (الحزب الحاكم) بصورة خاصة، مع هذا التفسير لدور النخب المحلية في ظل الاستعمار؟".

أخيرًا، يُضمّن المؤلف فصل "ملاحظات ختامية" تأملات شخصية في الآلاف من محاضر الاجتماعات والوثائق والتقارير والخطط والرسائل الشخصية مما أقرَّته ولخّص بعضه في الكتاب، موجهًا اهتمامه إلى مسائل تغافل عنها من تولوا أجهزة الرقابة أو آثروا عدم تناولها، ومتعمقًا في سبر تأملاتهم الذاتية في ما كانوا يفعلون، وفي التبعات المحتملة لتلك الأفعال.

https://www.arab48.com/


إرسال تعليق

0 تعليقات