اشترك في النشرة البريدية

الاختلالات القانونية في مراسيم الرئيس : الجزء الرابع - قرار وزير الداخلية ـ


نواصل استعراض الفجوات القانونية والاخطاء الفادحة والمناقضة للقانون الاساسي للجبهة ودستور الجمهورية والتي تضمنتها المراسيم والقرارات الاخيرة الصادرة من رئيس الجمهورية وبعض وزرائه وبخصوص قرار وزير الداخلية، يمكن اعتباره من مراسيم الرئيس المخلة صراحة بالقانون ليس في شكله وإنما في الاعتبار والتجاوزات القانونية التي وقع فيها هو الآخر، حيث وقع في نفس الخطأ الإجرائي بدمج قرار التعيين مع قرار يتضمن احداث مستشارين بالولايات، وكان من الصواب اصدار كل قرار على حدى برقم وتاريخ مستقل عن الآخر.
ورغم اجتهاد قرار وزير الداخلية في التأسيس القانوني بذكر المراجع القانونية التنظيمية، الا انه تجاوز حدود الصلاحيات التخصصية لوزير الداخلية بتعيينه لموظفين ومنتخبين في مؤسسات في الدولة وهيئات منتخبة في الجبهة في مناصب رؤساء دوائر وقانون الأفراد والوظيفة العمومية، حيث أن التعيين في وظيفة جديدة لايمكن الا في منصب شاغر أو منصب جديد، وهؤلاء الاشخاص المعينين هم اصلا موظفين في مؤسسات وهيئات وطنية، فأي مآل سيؤول اليه قرار وزير التعليم بشأن تعيين مدير مدرسة المعين صاحبه كرئيس دائرة مثلا او منتخبة في هيئة من هيئات الجبهة؟
إن قرار وزير الداخلية أحدث مناصب جديدة كمستشاري الولاة دون سند أو مرجع قانوني يؤسس لتعيين مستشارين للولاة، لاسيما قانون الأفراد والوظيفة العمومية الذي لم يحدد رتبة أو سلم وظيفي باسم مستشار والي، وكذلك المرسوم الرئاسي المتعلق بضبط وتسيير الموارد البشرية ولا حتى قانون الوحدات الاقليمية والإدارية لاسيما في طبيعة مهام وصلاحيات وحدود عمل المستشار لدى الوالي، فأي عبث هذا بالقوانين التنظيمية ضمن الإطار العام للعمل الوظيفي بالإدارة الوطنية الصحراوية.
كما القرار الوزاري لم يتضمن أي معالجات لعجز الاداة على المستويين الجهوي والمحلي وحل الاشكاليات التنظيمية المزمنة التي ظلت ترافق أدواتها التسييرية خاصة على مستوى الدوائر، علما أن المؤتمر الخامس عشر للجبهة أكد على أن " نظام الدمج " أثبت عدم نجاعته تنظيميا وعمليا والمترجم بالاحتكار الصريح لرؤساء الدوائر لبرامج التسيير المحلية وتغييب واضح للجانب السياسي وحصره فقط في الحملات ورفع التقارير فقط، مايعكس استمرار نفس السياسات التنظيمية في تعزيز السلطات الإدارية على حساب السياسية، وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات حول أولويات التنظيم السياسي للجبهة والغاية من تأخير تجديد هياكله على المستويين المحلي والأساسي، بعد مرور نصف السنة على انتهاء أشغال المؤتمر الشعبي الخامس عشر للجبهة في تقاعس مخل بتطبيق مقررات المؤتمر وتجديد الهياكل المطلوبة وفق القانون الاساسي للجبهة والتي لا تقبل التأخير.
كما أن القرار قد مس أماكن محدودة في حركية الأطر التنظيمية التي مازال أغلبها عاجز عن تطبيق القوانين والقرارات التنظيمية الصادرة عن وزارة الداخلية، خاصة مقتضيات القرار الوزاري المتعلق بتنظيم السكن وكذا قانون المساجد والاشكالات الكثيرة المتعاظمة فيما بات يعرف بالخلافات حول المنازل التي تعود المسؤولية فيها بالدرجة الأولى إلى رؤساء الدوائر الذين اصبحوا عاجزين حتى عن حماية المصالح الإدارية الموجودة بالدوائر والمحافظة على بعدها من منازل المواطنين وكذا فرض هيبة المرافق العمومية، لدرجة قيام بعض المواطنين ببناء محلات تجارية أمامها دون أي اهتمام يذكر، فماذا سيغير هذا القرار في الاستجابة للشروط والإجراءات التنظيمية التي من شأنها الحفاظ على سمعة وسلطة الإدارة المحلية من جهة ومن جهة أخرى تسهيل وحل العديد من الاشكاليات والانشغالات المطروحة من قبل المواطنين المقيمين بكل دائرة على حدى.
القرار كذلك ارتكب نفس الأخطاء التي وقع فيها القرار الصادر في 2017 المتعلق بإجراء حركية على مستوى رؤساء دوائر الجمهورية، بما في ذلك الصعوبات التي خلقها من إبعاد المسييرين عن مقر إقامتهم وتعيينهم في ولايات ودائر بعيدة تماما من مقر سكناهم ما خلق اشكاليات كان رؤساء الدوائر أول من تقدم بضرورة حلها، كتعيين مسؤول دائرة مقيم بولاية العيون مسؤول دائرة بولاية الداخلة أو العكس وكذا الأمناء والمستشارين، فأين هي إيجابيات و محاسن تقريب الموظف من مكان سكناه وقد اثرت هذه الفوضى والعشوائية في القرارات الغير مدروسة في تمرد غالبية هؤلاء وعدم التزامهم بالالتحاق بعملهم وترك القواعد الشعبية تواجه الاشكالات لوحدها وهو ما اثر على سمعة التنظيم وهيبة الدولة.
تظل هذه الملاحظات والاختلافات القانونية و الإجرائية ترافق التنظيم في توثيق قانوني وإداري واضح لغياب رؤية تنظيمية وسياسة حكيمة تكرس مخرجات المؤتمر الخامس عشر للجبهة الذي نص صراحة على الاهتمام بانشغالات المواطن اليومية والاستجابة أكثر لأفضل السبل التي من شأنها تحسين مستوى الأداة خاصة على المستويين المحلي والجهوي وترقية مهمتها من حيث المردودية والنجاعة في تنفيذ البرامج الوطنية التي تستلزم بالضرورة التواجد الفعلي في امكان العمل وتفادي الغيابات والتهاون في العمل النضالي والوطني كيفما كان.
وعليه يتوجب على الرئيس والوزراء أن يهتموا بوضع هذه الاعتبارات في الحسبان مع كل تعيين أو حركية سواء عند انتقاء الأداة أو طبيعة عملها أو في المهام والصلاحيات الموكلة لها، حتى نتفادى مثل هاته الاختلالات القانونية الخطيرة والتي لاتخدم المصلحة العليا للشعب والمناقضة كثيرا للقوانين والنظم الإجرائية والموضوعية والبرامج الوطنية التي صادق عليها الشعب الصحراوي في آخر محطة وطنية شاملة هي محطة المؤتمر وما يمثله من مرجعية قانونية وسياسية.
وإن كانت القرارات الوزارية أكثر قربا بتطبيق القانون بحكم تعدد المرجعيات القانونية وتنوعها، فإن فوضى المراسيم الرئاسية والتنفيذية التي كثرت منذ انتهاء أشغال المؤتمر الخامس عشر، تعيد في كل مرة التساؤل عن مدى تطبيق القيادة السياسية الصحراوية للمهام الموكلة لها في القانون الاساسي للجبهة والدستور، خاصة في حماية القانون وتطبيقه بشكل سليم حتى نتفادى التناقض المتنامي والمثير للغاية في مجال التشريع والتنظيم العام للمؤسسات والهيئات الوطنية، وخاصة عند استحداث او خلق مناصب ووظائف غير ملحة و لاتخدم قضية الشعب الصحراوي ولا مصلحته العليا في الجانب المتعلق بالمساواة والعدالة في تطبيق القوانين او في توظيفه على ارض الواقع.
وعليه فإن رئيس الجمهورية مطالب بضرورة التركيز على كفاءات مهنية في مجال القانون واستشارتهم قبل اصدار أي مرسوم أو أمر بقانون، حتى لا تكون عرضة للنقد و اظهار الفجوات القانونية التي اصحبت تعيبها شكلا ومضمونا، وما قد ينجر عنها من مراسيم او قرارات أخرى ذات صلة بالتنظيم الاداري والوظيفي في الدولة أو الجبهة.

إرسال تعليق

0 تعليقات