اشترك في النشرة البريدية

تحقيق..هكذا تعرض هاتف الصحافي عمر الراضي للتجسس


كشف تقرير صادر بتاريخ 22 يونيو 2020 عن منظمة العفو الدولية أن الصحافي المغربي عمر الراضي، المتابع من أجل تغريدة نقدية قبل بضعة أشهر، كان ضحية ل "التجسس" لمدة سنة من طرف السلطات عبر برنامج تابع لمجموعة  " إن إس أو" NSO تم حقنها على هاتفه النقال. "فوربيدن ستوريز" تعود إلى تحقيقات عمر الراضي التي جعلته هدفا للسلطات المغربية.(لوديسك)

يذكرنا هذا المشهد، بأفلام التجسس، وتدور أطواره بالقرب من الدار البيضاء نهاية صيف سنة 2019. كان للصحافي عمر الراضي موعد غداء مع المعطي منجب، وهو صديق ومؤرخ لم يلتقه لعدة أشهر، للرجلان الكثير لحكيه لبعضهما البعض، من التأجيلات المستمرة للمحاكمة بالنسبة لأحدهما إلى المضايقات المتكررة من طرف السلطة بالنسبة للآخر.

المعطي منجب، كان يعلم منذ أشهر عديدة أنه يخضع للتجسس وقام بأخذ الاحتياطات اللازمة، حيث قامت منظمة العفو الدولية بإبلاغه أن هاتفه كان مستهدفا بشكل منتظم عبر برنامج تجسس منذ سنة 2018، هذه التكنولوجيا التي طورتها شركة ”  إن إس أو ”  الإسرائيلية، وتمكن من الوصول إلى جميع البيانات والمعلومات في الهاتف المستهدف، بل وبتشغيل “الكاميرا”  و “الميكروفون” ، يبدو “مشهدا أورويليا”  لكنه حقيقة. 

ما لم يكن يعرفه الصديقان، هو أنه وفي اللحظة التي كانا يتحدثان فيها كان هذا البرنامج قد غير هدفه. حوالي الساعة الواحدة زوالا، استعمل عمر الراضي هاتفه للبحث عن معلومة على شبكة الانترنت، كان ذلك كافيا ليبدأ هذا الهجوم المتطور -والذي يصعب اكتشافه- للبرنامج الاسرائيلي.

ثلاثة أيام قبل ذلك، كانت NSO قد أكدت التزامها باحترام مقتضيات ومواثيق حقوق الإنسان جوابا على التقارير المنتظمة التي تنتقد الاستعمال المؤذي لبرنامجها.

5 هجمات على الأقل ..

باتصاله بشبكة الانترنت، منح عمر الراضي على الأرجح، ومن دون أن يدري ، الفرصة للنظام المغربي الذي يشتبه في كونه زبونا ل ”  إن إس أو”  منذ سنة 2018، للسيطرة التامة وغير المرئية على هاتفه. ”  الدولة هي من تملك ماضيك، حاضرك، صورك ورسائلك القصيرة” ، يقول الصحافي اليوم.

هذا الاختراق واحد من خمسة هجمات موجهة ضد عمر الراضي تحدث عنها تقرير منظمة العفو الدولية، الذي عملت عليه 17 وسيلة إعلامية دولية، من بينها “لوديسك”  و تنسقها “فوربيدن ستوريز” ، حيث تكشف المنظمة غير الحكومية، مستعينة بتحليل تقني، أن الصحافي كان ضحية لسلسلة هجمات تسمى ب ”  حقن الاتصالات”  بين يناير 2019 ويناير 2020.

استهداف عمر الراضي ليس صدفة على الإطلاق، فهو ينشر منذ أزيد من 10 سنوات تحقيقات تزعج السلطات المغربية، كما اشتغل كذلك على الروابط بين السلط السياسية والاقتصادية في البلاد وأيضا على خروقات حقوق الإنسان.

فريق أمنيستي توصل إلى شبه يقين بأن هذه الهجومات تحمل توقيع الشركة الاسرائيلية NSO، ويظهر تحليل أسماء النطاقات على هاتف عمر الراضي تشابها مقلقا مع الهجمات التي استهدفت المعطي منجب،والتي تم التطرق لها بشكل مفصل في تقرير مفصل للمنظمة قبل عدة أشهر.

الطريقة التي استخدمت خطيرة، حيث كان يكفي أن يتصل الصحافي بموقع غير مشفر ( http عوض https) لكي ينتقل اتصاله على الانترنت لبضع ميليات الثواني إلى موقع آخر يسمح بتحميل برنامج التجسس على هاتفه، قبل أن يعود متصفح الويب بسرعة إلى الموقع الإلكتروني الذي كان عمر الراضي يحاول الولوج إليه.

“ إنه أمر مرعب أن يكون ولوج موقع إلكتروني عادي وسيلة لاستهداف هاتفك” ، يصرح بيل مارزاك عن ”  سيتيزن لاب”  وهي منظمة تحقق منذ سنوات حول موضوع هجومات هذا البرنامج، المعروف ب “بيغاسوس” ، على نشطاء المجتمع المدني.

لوقت طويل، ولحقن هاتف ما، كان يجري إرسال رسائل نصية قصيرة SMS بروابط خبيثة. ”  هناك تقارير عديدة حول هذه الطريقة للحقن، وأصبح واضحا أنه هناك احتمال كبير أن النتيجة قد تكشف عن ضلوع ”  إن إس أو”  “ ، يشرح بيل مارزاك. 

Dispositif ressemblant à une fausse antenne-relais présenté par la société NSO au salon Milipol à Paris en novembre 2019.

”  بإعادة التوجيه عن طريق حقن الاتصالات، ترون أحيانا موقعا غريبا يظهر في متصفح بحثكم، لكن ماذا يمكنكم أن تفعلوا؟ ربما ستحاولون الخروج بأقصى سرعة ممكنة من الصفحة لكن من دون شك سيكون الأوان قد فات “ ، يضيف مارزاك.

”  حصل ذلك مرتين أو ثلاثة على هاتفي” ، يتذكر عمر الراضي. ”  في معظم الحالات أرى متصفح البحث يتغير لكنني أعود إلى الموقع الذي كنت أبحث عنه” ، الصحفي يقول إنه لم يشعر بالقلق في الحين لكنه أخذ مع ذلك صورة من متصفحه بتاريخ 23 يناير 2020، وهي عينة اشتغل عليها فريق المتخصصين في الأمن الرقمي داخل أمنستي.

تشتبه المنظمة غير الحكومية، في وقوع عمر الراضي ضحية للتجسس منذ اعتقاله في دجنبر من سنة 2019 لنشره تغريدة ينتقد الأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف. 

عن بعد، قام الفريق المتخصص لأمنستي بإرشاده لتفحص هاتفه، وخصوصا تاريخ الأخطاء التي سجلها هاتفه، هذه التقارير يتم إنتاجها بشكل متكرر، وعادة ما يكون اختفاءها مؤشرا على أن جهاز الهاتف قد تعرض لهجوم.

تم تحليل هذه المعطيات في برلين، وبعد بضعة أيام أعادت أمنستي الاتصال به لتخبره أن هاتفه قد تعرض فعلا للاستهداف. ”  تبدأ بطرح الأسئلة : ماهي الأشياء الحساسة التي يمكن أن أكون قلتها على الهاتف ؟ هل لدي مصادر يمكن أن تتعرض للمتاعب ؟ “ ، يشرح الصحافي.

على هاتفه، وجد الخبراء آثارا ، عادة تنطلق من أسماء نطاقات، تسمح بتحديد روابط مع شركة  NSO. ”  يمكن أن يكونوا قد استعملوا مرة نفس الخادم أو استعملوا نفس العنوان الإلكتروني لتسجيل أسماء نطاقات متعددة” ، يوضح كلاوديو كوارنييري، مدير “سيكيريتي لاب”  فريق العمل المتخصص لأمنستي.

من الصعب عدم الاشتباه في وقوف السلطات المغربية خلف هذه المهمة التجسسية، فقد أكدت ”  إن إس أو”  مرارا أنها لا تقوم بالبيع إلا للحكومات، وقد سبق وأن تم التعرف على المغرب كزبون محتمل للشركة الاسرائيلية من طرف “سيتيزين لاب” . 

علاوة على ذلك، تتطلب الهجومات عبر حقن الاتصالات المرور عبر قناة بديلة قريبة من الهدف أو الوصول إلى البنية الداخلية لمشغل خدمة الهاتف، وهو في هذه الحالة مشغل محلي. وقد رفضت السلطات المغربية الإجابة على أسئلة ”  فوربيدن ستوريز” .

عمر الراضي على “رادار”  السلطات منذ سنوات

تم وضع الصحافي عمر الراضي على “رادار”  السلطات المغربية منذ مدة، حيث أدين الصحافي في 17 مارس من سنة 2020 ب 4 أشهر سجنا موقوف التنفيذ وغرامة مالية تقدر ب 500 درهم، وهو الحكم الذي قام باستئنافه. وسبب هذه الإدانة : تغريدة نشرها في أبريل من سنة 2019 يستعمل فيها لفظ “جلاد”  باللغة الفرنسية للتعليق على الأحكام الصادرة عن هيئة قضائية قامت بتأكيد الأحكام الابتدائية الصادرة في حق أعضاء الحركة الاحتجاجية الاجتماعية المعروفة ب “حراك الريف”  ، ولم يتم اعتقال عمر الراضي إلا في دجنبر، أي تسعة أشهر بعد نشره لهذه التغريدة، ليظل في السجن لبضعة أيام قبل تمتيعه بالسراح المؤقت.

”  لقد تم عقابي على المجموعة الكامل لأعمالي” ، يعتقد عمر الراضي. ”  إنهم يراكمون ويجمعون ثم يبحثون عن ذريعة لاعتقالك” . بالنسبة إلى بوزيان زيد، الباحث المتخصص في الإعلام، فهذه الممارسة ليست نادرة. ”  سابقا كان الصحافيون يعتقلون لما يكتبونه” ، اليوم يتم اعتقاله لأجل ذرائع أخرى لا علاقة لها بالصحافة” ، يحلل الباحث.

أحصت “امنستي”  على الأقل 10 نشطاء تم اعتقالهم بشكل غير قانوني ومتابعتهم منذ 10 نونبر من سنة 2019، وجميعهم اتهموا بالإساءة إلى موظفين، أو مؤسسات عامة، الملك أو الملكية.

المدافع عن حقوق الإنسان، عبد الصادق البوشتاوي، المرتبط بحراك الريف، تم إدانته هو الآخر ب 20 شهرا سجنا لأجل ”  تهديد وإهانة هيئات عامة ”  في سنة 2018، وقد كشفت منظمة “العفو الدولية”  تعرضه هو الآخر لهجوم من برنامج تجسسي ل ”  إن إس أو”  سنة 2017، وقد أجابت الشركة الإسرائيلية حينئذ قائلة إنها ستفتح تحقيقا بخصوص هذه المزاعم.

Le téléphone d'Omar Radi infecté par un logiciel espion. OMAR RADI

كانت هي المرة الأولى التي يتم فيها إدانة عمر الراضي، لكنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها عرقلة التحقيقات التي يقوم بها، فقد سبق توقيفه ووضعه رهن الحراسة النظرية لمدة 48 ساعة من طرف السلطات، أثناء تغطيته لحراك الريف الذي يعتبر موضوعا حساسا بالنسبة إلى السلطات. بعد ذلك لم يعد عمر الراضي يشعر بالأمان في هذه المنطقة، واضطر إلى الاعتماد على صور سبق تصويرها من فاعلين في الحركة لإنجاز فيلم وثائقي بالتعاون مع جمعية “أطاك المغرب” .

يشتبه في كون تعاونه مع وسائل إعلام عالمية جر عليه غضب النظام، ورغم عشرات المقالات المنشورة في “تيلكيل”  ، “لوديسك” ، و”لوموند”  ووسائل إعلام أخرى، انتظر عمر اثنتي عشر سنة للحصول على بطاقة مهنية، وقد اشتكى صحافيون يشتغلون مع الصحافة الأجنبية من مشاكل مشابهة.

العديد من تحقيقاته تستهدف بشكل مباشر مصالح السلطات، ففي سنة 2013 أنجز الراضي تحقيقا عن استغلال مقالع الرمال في البلاد، التي يتم الترخيص لها عبر مأذونيات. ”  لقد أنجزنا خارطة لهذه المقالع في المغرب، واكتشفنا أنها امتيازات يمنحها القصر لأعيان المناطق، رجال سياسة وزعماء أحزاب سياسية” ، يشرح الراضي، الذي يؤكد عدم شفافية النظام، وتحديدا تورط شركات مسجلة في جنات ضريبية تم التعرف عليها من خلال السجلات التجارية، وقد نال عمر الراضي جائزة صحافة التحقيق التي تمنحها الجمعية المغربية لصحافة التحقيق بالشراكة مع منظمة “آيمس”.

في سنة 2016، تمكن الصحافي من الوصول إلى السجل المتعلق بملكية الأراضي، المحصور عادة في بعض المهن، واستخرج بشكل سريع عددا من عقود البيع والإعفاءات الضريبية، ومقتطفات من السجل العقاري. ”  بدأت باستخراج المعلومات من الساعة الرابعة إلى غاية السادسة مساء، ثم أغلق النظام، فهموا أنني كنت أقوم باستخراج معلومات” ، يتذكر الصحافي. 

تظهر الوثائق المستخرجة أن أراض بتكلفة باهظة قد تم التبرع بها مجانا لشخصيات مقربة من الدولة، وقد قام الراضي بتشارك هذه المعلومات مع عدة صحف، وقد عرفت هذه القضية في المغرب إعلاميا ب “خدام الدولة” .

مؤخرا، وبدعم من منظمة “بيرثا”  ركز عمر عمله على ملف نزع ملكية الأراضي في عهد محمد السادس، “قمت بإعادة قائمة مفصلة لعملية مصادرة الأراضي والأفراد الذين تعرضوا لذلك، أسماءهم، عائلاتهم،والمساحات، وكذلك طبيعة هذه الأراضي” ، ويعد عمر الراضي مثلا مقالا لحساب موقع “لوديسك”  المستقل والمتخصص في التحقيقات يكشف فيه أن أشخاصا تم تعويضهم ب 25 درهما ( 2.5 يورو) للمتر المربع بخصوص أراض تم بيعها بعد ذلك بسعر أعلى ب 600 مرة.

حينما يقوم عمر الراضي بإنجاز هذه التحقيقات، يعتقد أنه لا يبقى بعيدا عن أعين السلطات، إذ يحكي عمر أنه في بداية السنة وأثناء عودته من روبورتاج حول افتراس الأراضي، تلقى اتصالات من أشخاص قام بمحاورتهم، يطلبون منه عدم نشر المقال لأنهم تلقوا تهديدات من جهاز الشرطة.

للمغرب تاريخ طويل في التجسس تم الكشف عنه من طرف الصحافة، والمنظمات المتخصصة، حيث أكد تقرير صادر عن ”  برايفاسي انتيرناشيونال”  في أبريل 2015، أن “الدولة استثمرت بشكل مكثف في التجسس على مواطنيها لمراقبة أنشطتهم ولقمع أي شكل من أشكال  المعارضة” .

التجسس نمط تصرف عند السلطات

في سنة 2011، حصل المغرب على بنية المراقبة Eagle التي تسمح له بفرض الرقابة على الانترنت ومراقبة حركة الولوج، كما يرد اسم المغرب أيضا في قائمة الدول التي قامت بشراء تقنيات المراقبة من شركات سويسرية سنتي 2013 و2014.

سنة 2015، كشف تسريب وثائق أن المغرب يوجد من بين 21 دولة-زبون للشركة الإيطالية “هاكينغ تيم” ، التي يسمح أبرز برامجها بالسيطرة المطلقة على أي حاسوب.

و في مقال منشور سنة 2019، من طرف “لجنة حماية الصحافيين”  CPJ ، تحدث عدد من الصحافيين المغاربة عن اختلالات في أجهزتهم، فسروها بأنها علامات ومؤشرات على سلوكات متطفلة.

هذه السنة، كشفت “سيتيزن لاب”  أن “إن إس أو”  نجحت في استعمال ثغرة في تطبيق “واتساب”  لاستهداف أهداف معينة عن طريق اتصالات لم يتم الإجابة عنها، وكان الصحفي السابق أبو بكر الجامعي الذي حصل على جائزة حرية الصحافة المقدمة من CPJ سنة 2003، إحدى هذه الأهداف التي تم التعرف عليها. 

يعرف أبو بكر الجامعي الناشط، و المقيم في فرنسا حاليا، عمر الراضي جيدا وقد أسس بمعيته النسخة الفرنسية لموقع “لكم” ، وهو موقع إخباري مستقل تعرض لضغوط شديدة إلى حين إغلاق نسخته العربية واعتقال مديره سنة 2013.

بحسب أبو بكر الجامعي، فإن السلطات تراقب جميع الذين تعتبرهم كمعارضين. وقد وجه الجامعي، إلى جانب نشطاء آخرين مستهدفين رسالة إلى اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، التي أجابت بكونها ليست مختصة في الموضوع. ”  هذا سخيف، لأن المعطيات والبيانات سرقت وهواتفنا تعرضت للقرصنة” ، يتعجب الصحافي السابق، وحين سؤالها بعد كشف هذه المعطيات عن استغلال الثغرة في واتساب أجابت NSO مرة أخرى بأنها ستقوم بالتحقيق في أي شطط أو إساءة في استخدام هذه التكنولوجيا.

يتصور عمر الراضي أن عملية مراقبته بدأت منذ مشاركته في حركة “20 فبراير”  النسخة المغربية مما عرف ب “الربيع الديمقراطي”  في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ”  اشتغلت كثيرا داخل حركة 20 فبراير، تحديدا على المستوى التنظيمي، من بينها أشياء في الكواليس” ، يشرح الراضي.

اكتشف الراضي سنة 2015، أن هاتفه قد تم استهدافه ببرنامج لشركة “هاكينغ تيم” . ”  في عالم الحكومات القمعية التي تستعمل هذه البرامج التجسسية، نجد غالبا نفس الأهداف يتم التعرض لها مرة ومرات، لعدة سنوات، باستعمال مختلف التقنيات المتوفرة” ، يفصح بيل مارزاك عن “سيتيزن لاب” .

أخذ الراضي عادة تفحص أجهزته الإلكترونية، ”  أتجنب النقر دائما على الروابط، لا أقوم بفتح المرفقات، وأتفادى استعمال يو اس بي قادمة من الخارج” ، يردف عمر، الذي يؤطر بنفسه دورات تكوينية للصحافيين والنشطاء في الأمن المعلوماتي.

ورغم اهتمامه بالأمن السيبراني، لا يستطيع الراضي تحصين نفسه ضد الهجمات الجديدة لبرنامج ”  إن إس أو” . ”  لست في حاجة أن تنقر على أي شيء، هذه الطريقة في الاستهداف لا تتطلب أي تفاعل من المستعمل، لقد أصبحنا عاجزين تماما” .

حملات تشهير واستهداف الحياة الخاصة

عدم القدرة على التحدث بحرية من خلال الهاتف أصبح أكثر صعوبة بالنسبة إلى الصحافي من صعوبة وتعقيدات العمل الميداني وواقع خوف المصادر من الكلام، ويتذكر الصحافي واقعة حدثت سنة 2016 أثناء عمله على روبورتاج في إفران التي كان أمير قطر يستعد فيها لبناء قصر. فبمجرد وصوله إلى عين المكان، شعر الصحافي أنه يتم تعقبه.

“جميع من تحدث إليهم تم استجوابهم من طرف الشرطة المغربية” ، شرح سيرج ميشيل، مدير “موند أفريك”  في ذلك الوقت. ”  سمح ذلك للشرطة المغربية بفهم ومعرفة ما كان يشتغل عليه” . كما قام موقع le360، المقرب من النظام بنشر مقال يهاجم ما كان الراشي ينوي نشره، وقد اضطر عمر بعد ترهيبه بهذه التكتيكات إلى التراجع.

Mourir plutôt que vivre humilié, le documentaire co-réalisé par Omar Radi en 2018.

بالإضافة إلى هذه الأساليب التي يمكن توصيفها ب ”  النشر الاستباقي”  يواجه الصافي عمر الراضي حملات تشهيرية، حيث نشر موقع “شوف تي في ”  في يونيو من سنة 2020 سلسلة مقالات تهاجم بشكل مباشر، إحدى هذه المقالات تكشف هوية رفيقته في السكن وتتهمهما ب “العيش خارج مؤسسة الزواج” . 

”  يوجد في المغرب، نوع من الصحافة الإلكترونية يشن حملات تشهيرية على المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين الذين يجرؤون على التحقيق في موضوعات معينة” ، تقول دانا إنغلتون، المديرة المساعدة في “أمنستي تيك” ، وتضيف : ”  ونحن نعرف أن عمر تم استهداف بإحدى هذه الحملات التشهيرية” .

الشركة الإسرائيلية تعد مرة أخرى بفتح تحقيق

كيف تبرر NSO بيع هذه التكنولوجيا إلى السلطات المغربية ؟ في إجابة مكتوبة على أسئلة “فوربيدن ستوريز”  قال ناطق رسمي باسم الشركة الاسرائيلية إن الأخيرة لا يمكنها، ولأسباب مرتبطة بحماية السرية نفي أو تأكيد استخدام المغرب لهذه التكنولوجيا. 

”  إن إس أو ”  منزعجة بشدة مما ورد في مزاعم رسالة منظمة العففو الدولية .. نحن نقوم بدراسة هذه المعلومات وسنقوم بفتح تحقيق إذا وجد ما يبرر ذلك” ، يستطرد المصدر ذاته.

سبق للشركة المذكورة أن تعهدت بوضع حد لاستعمال هذه التكنولوجيا، إن وجدت مبررات كافية لاستعمال هذه التكنولوجيا بشكل مسيء. رغم ذلك، لا تزال “إن إس أو”  تمارس تعتيما شديدا بحيث لا تقوم بالكشف عن هوية زبائنها والإجراءات المتخذة حينما يتم إثبات حصول هذه التجاوزات.

“لا توجد آليات مراقبة وفحص ولا شفافية” ، يتأسف دافيد كاي المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي والتعبير. إذ من المستحيل معرفة إذا ما كانت الشركة قد اتخذت إجراءات بعد الكشف عن استعمالات متعسفة ومسيئة لبرنامجها في المغرب سنة 2019، كما لم تجب الشركة عن أسئلة “فوربيدن ستوريز”  حول هذه النقطة بالذات.

بيل مارزاك عن “سيتيزن لاب”  يقول ذلك من دون تحفظ : ”  لا توجد دلائل كثيرة على أن سياسة حقوق الإنسان داخل إن إس أو ساعدت فعلا حقوق الإنسان، مازلنا ننتظر دلائل” .

لا يصدق عمر الراضي كثيرا هذه الوعود الكاذبة، يبدو مقتنعا أن التجسس سيبقى مستمرا، ويحاول التأقلم معه، حيث يحاول تأمين أجهزته الإلكترونية بشكل أفضل وتفادي استعمال هاتفه. ”  التأثير السلبي الأكثر أهمية هو أن معرفة أنني تحت التنصت يثني الناس ولا يشجعهم على الحديث” .

لهذا التجسس والتصنت أيضا عواقب على حياته الشخصية، ”  كل الضربات مسموح بها، هذا يعني أنهم قادرون على استهدافك عن طريق المقربين منك” ، ينبه عمر. ”  أنا أقبل تماما أن أكون أنا الهدف، لكن الناس المرتبطين بي لا ذنب لهم” .

يعرف الراضي، أنه ورغم كل محاولاته للمقاومة، لن يستطيع حماية نفسه بشكل مستديم، ”  لن أقضي كل حياتي محاولا التحقق من وجود فيروس في أجهزتي الإلكترونية، سيجدون دائما طريقة لمعرفة ما يحدث في هواتفنا وحواسيبنا، كأنه دافيد ضد كولياث” .

* تم إنجاز هذا التحقيق بتنسيق من ”  فوربيدن ستوريز”  مع 17 وسيلة إعلامية من بينها “لوديسك”. وهذا مشروع غير ربحي أسسته “فريدوم فويس نيتوورك” ، وتقوم شبكتها بمتابعة ونشر أعمال صحافيين آخرين يتعرضون لتهديد أو مسجونين أو تم اغتيالهم.

سنة 2018، حصلت “فوربيدن ستوريز”  على “الجائزة الكبرى للصحافة للسنة”  في مناظرة الصحافة ( journalisme .com ).

إرسال تعليق

0 تعليقات