من شهادة المقاتل محمد ادويهي حول تفاصيل العملية.
غادرتنا السيارات الثلاثة بقيادة حمادي فراجي و سيداحمد اركيبي - رحمهم الله - و تركونا في تلك المنطقة عند (اكرارة) ام التونسي، ذهبنا هناك ليرتاح البعض وبقيت بعض الدوريات مرابطة قبالة القوة الموريتانية التي توقفت على الطريق، والتي كانت قادمة من نواكشوط باتجاه اكجوجت، حيث تقدم تلك الدوريات كل طارئ لإدارة المعركة التي تراسها الولي مصطفى السيد بنفسه وكنت احد أعضائها.
إستمر الوضع على هذه الحال حتى الخامسة صباحا تقريبا، كان افراد المجموعة حقيقة في قمة التعب بعد اسبوع من السفر الطويل وامراض البطن، التي سببتها المياه المالحة في كثير من الابار التي مررنا بها على طول الطريق.
انسحب الجميع عن الطريق و بقى في حالة استنفار عالية للضرورة القصوى وفي اتم اليقظة و الجاهزية.
المواقع وحالة التاهب...
كانت مواقعنا شبه مكشوفة شمال الطريق، لانه يجب علينا ان ننحدر حتى نهاية الكثبان الرملية التي كنا نعتمدها كمتاريس مقارنة مع موقع القوة الموريتانية جنوب الطريق التي تمركزت في حفر كبيرة وعميقة من اثار ومعالم تركتها السيول على ما يبدو.
كانت المواقع غير متكافئة وعند طولوع النهار تكشف لنا ذلك بوضوح.
كان لابد لأي جندي موريتاني يريد ان يرمي على القوة الصحراوية ان يصعد الى اعلى حتى يتمكن من التسديد وبذلك يكون هدفا سهلا و واضحا لنا.
وصلتنا معلومات من سياراتنا الامامية القريبة من العدو ان هناك قوات دعم وصلت من تجاه اكجوجت واخرى من جهة الجنوب لأن الجيش الموريتاني عندما علم بضربات اليوم الماضي بعث دوريات في كل الاتجاهات لمطاردة المهاجمين الصحراويين.
في تلك الاثناء راينا طائرات مروحية تتخذ من الطريق المعبد مهبطا لنقل الجرحى وايصال المؤن والدعم اللوجستي بالعتاد و الجنود للقوة الموريتانية في الجانب الاخر من الطريق.
في منتصف ذلك اليوم وهو يوم التاسع من يونيو 1976 طلب الولي منا في إدارة المعركة انه يريد حضور مجموعات الهاون 120 الى مكان الادارة.
كان يرافقنا من ضمن التشكيلات طقمين مدربين و مختصين في سلاح الهاون 120.
و يعتبر سلاح الهاون من القطع الثقيلة التي تتطلب قوة بشرية كبيرة للتعامل معه سواء من خلال بنائه او توجيهه او استعماله بصفة عامة ولذلك خصص لكل سلاح هاون 120 خمس رجال اقوياء من اجل اتقان المهمة.
اعرف منهم النصف تقريبا منهم من استشهد ومنهم جرحى و من لازال على قيد الحياة.
طلب الولي قائد الكتيبة الحاج بداتي و عين معه بومدين سيدي ولد اعل بويا ولد ميارة.
وقبل ان يعطي اوامره سأل اطقم الهاون كم لديهم من قذيفة هاون 120، وكان الرد انه بحوزتهم من 68 الى 72 قذيفة تقريبا لم اعد اتذكر بالضبط يقول محمد ادويهي.
قال لهم يجب ان تسقط كل هذه القذائف على القصر الرئاسي في نواكشوط.
واعطى الامر الى المقاتل الحاج بداتي و بومدين وكانت تلك الدورية تتكون من ثلاث سيارات، سيارتان تحملان الاطقم خمس رجال في كل سيارة وسيارة القيادة تحمل ثلاث رجال، ضرب معهم موعد اللقاء على الساعة الثامنة مساء عند مكان تواجدنا اي اكرارة ام التونسي.
انطلقت الدورية حوالي الواحدة الا ربع ظهرا تقريبا، وفي مساء ذلك اليوم حاولت القوات الموريتانية المرابطة في الجهة الأخرى من الطريق ان تقوم بهجوم مضاد لكنها فشلت من خلال عرقلتها من قبل حراساتنا المتقدمة و المحيطة بها.
في تلك الظهيرة اخبرتنا سيارات الحراسة المتقدمة كما اسلفت ان القوات الموريتانية حاولت تنفيذ عدة هجومات مرتدة ولكنها فشلت لانها تعرضت لها بعض فصائلنا القريبة منها و اسرت جندي وغنمت سيارة من نوع لاندروفر مكشوفة وتحمل معلوماتها انها مصنوعة في الصين حسب ما يظهر في رقم الهيكل، كان الاسير شاب افريقي (كوري) في مقتبل العمر لا يتحدث الحسانية، ومن خلال اجهزة الاسلكي التي كنا نستخدمها للاتصال و التي تغطي من 15 الى 30 كلم من محيطنا تم ابلاغنا بتلك التفاصيل حيث طلبت ادارة المعركة احضار الاسير و السيارة الى مركز القيادة.
تحدث الشهيد الولي مع الاسير الموريتاني باللغة الفرنسية و سأله عن القوة وقيادتها و عددها واسلحتها ووحداتها و الدعم الذي وصلها وابرز الخسائر التي لحقت بها.
وكان رد الاسير الموريتاني ان قائد القوة هو ولد بوسيف و التحق به ولد لكحل بعد ذلك وكان يحمل رتبة نقيب وقد تم دعمهم بدورية اخرى لا يعرف قائدها وقد اكد ان قيادة القوة كلها من البيظان، واكد ان هناك قتلى و جرحى بين صفوف الجنود وان الطائرة زودتهم بالجنود و السلاح الخفيف مثل (دوست و 2429 وترانت سيس 36 و سلاح اخر يطلق عليه الموريتانيين J3 kof) ابتسم محمد ادويهي وهو يحكي قصة اسم السلاح (جي تروا كوف) (J3 kof) وهو يقول اعتقد انه سلاح اسباني الصنع، واصل الحكاية وهو يقول ان الجندي الموريتاني ابان الحرب الموريتانية الصحراوية كان يخاف كثيرا من سلاح كلاشينكوف الروسي و من اجل رفع معنوياته اضاف بعض الجنود على السلاح (جي تروا J3) كلمة كوف (kof) على وزن كلاشينكوف وصار الاسم دارجا بين الجميع.
بقي الجندي الاسير و السيارة في حوزتنا في ادارة المعركة وكانت الشمس قد اشرفت على الغروب.
كان الفصل صيفا والنهار طويلا جدا حيث لا تغيب الشمس الا بعد العاشرة مساء، قبيل تمام الثامنة كلفني الولي رحمه الله شخصيا بالصعود الى سيارة المحطة و ضبطها على موجة 528 او 527 وكانت هي موجة اذاعة موريتانيا، ضبطت جهاز المحطة على تلك الموجة، و اتذكر انه كان من نوع تومسون، ونزلت واذا بها اذاعة موريتانيا ونشرة الاخبار عند تمام الثامنة، وبدات النشرة بتلاوة بيان اكدت فيه الهجوم، حيث قال البيان في بعض فقراته على ان قوات الجيش الموريتاني صدت هجوما كان وشيكا على العاصمة نواكشوط، يقوده حسب البيان "قائد حركة البوليساريو ونائبه وتم قتلهما" ... الخ وفي نهاية البيان ذكروا وبهذه العبارة "وقد تم غنم مدفع سلاح روسي لايعرف عنه شيئا الا وزير الدفاع" هذه العبارة التي اصبحت متداولة بين الصحراويين بعد ذلك كعبارة تهريح ذكرت في ذلك البيان الذي اذاعته الاذاعة الرسمية الموريتانية.
بعد سماع هذا البيان انصدمنا حقيقة وبدا الجميع مرتبكا ومترددا.
غلب الاستياء على الجميع و انخفضت المعنويات و حينها أمر الولي ان تجتمع القوة الصحراوية عند مكان ادارة المعركة (لكرارة)، عندما وصل الجميع و استكملت القوة قال الولي: -رحمه الله- "سنجمع كل القوة في قافلة واحدة و سنتجه صوب نواكشوط وسنصعد على الطريق المعبد وقت ما تتحاح لنا الفرصة".
قال هذا الكلام وطلب منا الانتظار حتى يعطي امر التنفيذ بدا الجميع يتشاور مع الولي بطرق فردية اي دون حصول تشاور جماعي، كل فرد ياتي ويتحدث مع الولي، نحن لا نسمع الحديث لانهم يتحدثون بصوت منخفض، لكننا نرى تلك الحركية وفي اغلب الاحيان يكون الولي مستمعا فقط، استمر الحال على هذا المنوال لساعات طويلة، حتى سجل كل الاراء و الانطباعات و تاخر الليل كثيرا حيث كانت الساعة تشير الى الثانية صباحا تقريبا.
... يتبع ....
تحقيق بلاهي ولد عثمان
0 تعليقات