اشترك في النشرة البريدية

اللغة العربية : قواعد بين الأخذ والرد


لقد أصبحت قواعد اللغة العربية تشكل عائقا كبيرا في نظر الكثير من أجيال اليوم ، مما دفعهم إلى الإهتمام باللغات الأجنبية ، والإكتفاء بالتداول العشوائي للغتهم الأم ، يحدث هذا في الوقت الذي نرى فيه أعدادا من الأجانب يتقنون لغتنا العربية في مختلف المجالات ، على سبيل الدراسة والتحليل ، وفي بعض المناصب والمسؤوليات ، وفي مجال الإعلام بمختلف وسائطه المعروفة ، وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي .

وهذا ماجعل بعض دكاترتنا وأساتذتنا ومثقفينا المهتمين باللغة العربية والغيورين عليها ، يعكفون كل من جانبه على جعل تعليمها في متناول الجميع وبطرق شتى في التبسيط رغم المآخذ الكائنة على رؤية بعضهم في كيفية التلقين والتدريس .
هنادا طه دكتورة لبناية تدرس اللغة العربية في جامعة زايد بالإمارات العربية المتحدة ، ولها تجربة معتبرة في ميدانها ، حيث نشرت العديد من الابحاث والكتب ، وأعدت منهاجا تراه كفيلا بتعليمها للناطقين بها ولغيرهم .
تقول الدكتورة " لو بيدي مسألة تعليم اللغة العربية في العالم العربي ، لأنهيت مسألة النحو والقواعد كليا من المدارس "
وترى أن البديل حسب قولها هو " أن نغمس الطلبة بالقراءة ، وأن نغمرهم باللغة العربية ، وأن نحيطهم بها من كل جانب ، ثقافة وعلما وفكرا "
هنا أختلف شخصيا مع الدكتورة ، والخلاف لا يفسد للود قضية كما هو معلوم ، فرغم تجربتها المريرة التي أحترمها ، ورغبتها الجامحة في جعل اللغة العربية تجري على كل لسان ، إلا أنني أرى أن التعليم الناجح هو ذلك الذي ينبني على أسس مدروسة لا مجال فيها للعشوائية أو النظريات السطحية ، ومن هنا أشك في عدم جدوائية الطريقة التي تراها الدكتورة كفيلة بتعليم اللغة العربية بسهولة ، أظن أن ما ذهبت إليه لن يؤد سوى إلى لغة مشوهة ، وعرجاء لا تتوكأ على أية أسس يمكن أن تقومها أو تمنعها من أن تضل سبيلها .
فاللغة السليمة لا بد لها من قواعد ، هي في الأصل بمثابة إشارات على الطريق إلمؤدي إلى كيفية التمكن من ناصيتها ، بحيث يبعدك إتباع هذه القواعد ، عن أساليب الالتباس في معانيها ودلالاتها ، وعن الخلط بين جملها وعباراتها ، ويحول دون تبدد أفكارك في متاهات التلاعب بأغراضها وفنونها المتنوعة ، وبالتالي فمن الأجدر تبسيط هذه القواعد لا إلغاؤها نهائيا كما تقول الدكتورة ، ولعل ذلك من السهولة بمكان ، ولنا في تجربة الأستاذ الفلسطيني الكبير عارف حجاوي مثالا ، وهو الذي بحث في هذا الشأن وطلع علينا بعدة مؤلفات مفيدة في هذ الصدد ، نذكر منها على سبيل المثال كتابه " اللغة العالية " الذي تضمن تبسيطا مقتضبا لمختلف قواعد اللغة العربية ، يجعل الدارس يستنبطها دون عناء ويطبقها مع الوقت دون مشكلة ، وبذلك يكون هذا الأستاذ قد أسس لمنهاج جديد يستوفي الشروط اللازمة لسلامة اللغة العربية كتابة ، تراكيبا ، ونطقا ، ويحصنها من متاهات التدوال الخاطئ والفهم المبتذل .
فاللغة العربية قد يتكلمها الكثيرون ممن لم يقرأوا قواعدها ، ولكن بطريقة عشوائية فيها الخطأ والصواب ، وفيها الأصلي والدخيل ، وعليه فهذه ليست لغة بالمعنى الصحيح ، كونها أشبه باللهجة الغير مكتوبة والغير مقروءة ، والتي هي عبارة عن خليط من الكلمات والمصطلحات الملتقطة من كل حدب وصوب ، تتداخل فيها ثقافات متعددة نتيجة الإحتكاك وعشرة الدخلاء .
نحن اليوم نعيش في عالم تملكته العولمة حتى النخاع ، واصبح من سماته السرعة وجنوح البعض إلى القفز على دلالات الماضي وأبعاده في التأريخ لأصالة الأمم وعراقتها ، وتجاوز مثل هذه المقومات الثمينة بأفكار ساذجة أملتها الآلة المتطورة بدل الفكر النير ، والإنسلاخ والسطحية العمياء بدل الغوص في ماهية الأشياء والتشبث بالقيم والمعايير .
في عصرنا هذا أصبحت الآلة هي الذكية ، وبات الإنسان غبيا للأسف ، يسبح في ظلمات أوجدها صناع التكنولوجيا للتحكم في عقله ، وهي التي جعلته يفتقد إلى نعمة التأمل والإدراك لماضيه وحاضره ، وإلى ما سيؤول إليه مستقبله . 
بقلم : محمد حسنة الطالب

إرسال تعليق

0 تعليقات