اشترك في النشرة البريدية

عقيدة الثورة لا تعترف بالخطوط الرمادية؛

من كان يظن، أن الذي عاش قصف أم دريكة، و شهد إبادة الأبرياء بالنبالم و الفسفور و رأى بأعينه أشلاء مترامية و أجسام مقطعة، لا ذنب لها غير أنها خلقت صحراوية الدم و الأصل و الأرض، سيرتد يوما مطأطأ الرأس عن درب كل أولئك المضحين، و غيرهم من قربان المجد و الحرية، و ينصهر في كيان غير البوليساريو ممثلا. 
ركوب قوارب الخذلان و التقوقع مهما كانت الوجهة، لن يضر البوليساريو في شيء ، فهي عصية على الكسر و المضغ، لأنها لم تخلق من فراغ، بل جاءت نتاج قناعة وطنية متكاملة الأوجه و متجانسة الأهداف، شعب مل الاحتلال، يريد الحرية و بسط سيادته، و قدم في سبيل ذلك أرواح و أزمنة و معاناة، كل هذا شكل لدى جميع الصحراويين، بالمخيمات و الأرض المحتلة و المحررة و الجاليات و المهجر، صورة راسخة أن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، تماما مثلما أطلقت الثورة و أسست الدولة، قادرة على جلب النصر و الاستقلال.
صناعة الكيانات الموازية لإضعاف البوليساريو، ليس وليد اليوم، بل رافق تأسيسها و لازم مسيرتها، عبر سلسلة من المؤامرات، بدأتها الاستخبارات المغربية سنة 1973 بتأسيس ما سمي بـحركة الرجال الزرق (MOREHOB) ، و تقطفت إسبانيا أثر المغرب و أعلنت سنة 1974 عن إنشاء حزب الوحدة الوطنية الصحراوية ( PUNS )، مع العلم أن الأحزاب كانت محظورة في إسبانيا و رغم ذلك أعطت مدريد الضوء الأخضر لهذا الحزب بالنشاط ، و بعد كل هذه المحاولات الفاشلة في انتزاع الشرعية من البوليساريو، خطب الحسن الثاني سنة 1988 بأن الوطن غفور رحيم و فشل أيضا، و أنشأ خلفه محمد السادس سنة 2006 الكوركاس الذي كان يراهن المغرب عليه، لأن يكون المغناطيس الذي يستقطب كل الصحراويين، و عجز الكوركاس في بلوغ الأهداف و حكم عليه بالفشل.
نفس الجهات عمدت إلى بلوغ نفس الأهداف، لكن بطرق غير التي كانت تسلك، و ذلك بجعل صنيعتها المقبلة تكون من صلب البوليساريو، فدفعت ببعض "الضعاف" إلى تأسيس ما يعرف بـ "خط الشهيد" منتصف 2004، و فشل في تنفيذ ما أُنشئ لأجله، و رمي به في قمامة التائهين المتساقطين إلى الأبد، و ما مولود الـ2020 إلا مظهر جديد رغم قدم الأهداف، يحاول أن يرتدي رمادي الألوان موقعا ، لا يمينا ولا يسار، تموقع جديد لكنه مكشوف و محكوم عليه بالإعدام شعبيا و لكن أيضا واقعيا، و مآله لن يختلف عن ما سبقه، و كأن التاريخ يعيد نفسه، ما فعلته إسبانيا مع الـPUNS، نشهده اليوم بغالب مختلف، فالمغرب الذي يمنع دستوره إنشاء أحزاب على أسس جهوية، طائفية أو دينية يقبل بأن ينخرط بعض موظفيه التابعين  للمديرية العامة للدراسات و المستندات (Direction générale des études  et de la   documentation)‏ واختصارًا تسمى لادجيد، في هذا الكيان، أمر حقا يضع كل المنتسبين في موقع "الشبهة". 
الشعب الصحراوي لم يمسك العصى من المنتصف منذ أن تأسست جبهة البوليساريو، و ما إن يرى أي جسم قريب يحوم بها، إلا و إلتف من حولها و جدد التمسك بها، فكان حري بـ "منفذي" مشاريع تشتيت وحدة الشعب و إضعاف رائدة كفاحه و خلق هوة بين إطاراتها الصدامية و قواعدها الشعبية، أن يستفيدوا من عِبر التاريخ و دروسه، قبل السباحة في مستنقع التقوقع و الفشل، و الخروج بأيادي فارغة لا هم أقنعوا المحتل، و لا هم ظلوا أوفياء لعهد شعبهم، كحال الذي سرق أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه سامحه ولا اللص كافأه. 
المحظور الذي وقع فيه كل هؤلاء، علاوة عن قصر أفق النظرة و خلفيات كل منهم، أنهم استصغروا البوليساريو و لخصوها في أسماء و أشخاص، و قفزوا على حقيقة أن الجبهة مبدأ جامع للشعب الصحراوي و حاضن له، امتزجت في امجادها دماء أطياف الشعب و عرقه و انصهرت داخلها فوارقه و إختلافاته، و رسمت خريطة تطلعاته و أهدافه، فأضحت كل شي بالنسبة له: ماضيه، حاضره و مستقبله، و ما صمودها أمام عواصف متغيرات الأزمنـة و الظروف و الأشخاص، إلا إشارة على قناعة الشعب الصحراوي بها.
الشيخ لكبير سيدالبشير|

إرسال تعليق

0 تعليقات