اشترك في النشرة البريدية

مشروع قانون "الخفاش" - خالد البكاري*

خالد البكاري
تسرب مشروع قانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، ليتضح أن الجهات المستعجلة في خروج هذا المشروع، ثم المصادقة عليه،هي جهات غير مؤتمنة على مصالح البلاد والعباد، وأنها لا تفكر سوى في مصالح أوليغارشيات ريعية مصلحة، حتى في أسوء الظروف التي تمر منها البلاد،، إنهم أشبه بالربابنة الذين يسارعون للقفز نحو قوارب الإنقاذ، حين يحسون ببدايات غرق السفينة، دون حتى أن يخبروا بقية الركاب.

دعك من محاولات بعض التبريريين جر النقاش نحو التساؤل عن الجهة التي سربت الورقتين، وعن توقيت التسريب، فمهما كانت أهداف الجهة المسربة، فإنها لن تصل لوقاحة التفكير في وضع مشروع القانون هذا للمصادقة في مجلس حكومي انعقد يوم 19 مارس في آخر لحظة، وهو لا يكتسي أي صبغة استعجالية، وفي توقيت تعبئة الجهود والإرادات والطاقات لمواجهة واحدة من أسوء السنوات التي عرفها المغرب المعاصر.

وطبعا لن يكون توقيت التسريب أفظع من توقيت مناقشة المشروع في مجلس حكومي يفترض أنه ينعقد خلال حالة الطوارئ الصحية.

وفي ظل صمت رئيس الحكومة وباقي الفريق المتورط في هذه الفضيحة، خرج مستشاره الإعلامي بتدوينة فيسبوكية من باب عذر أقبح من زلة، ليقول لنا إن رئيس حكومتنا يعتبر أن ما تسرب هو جزء من المسودة الأولى، وأنها تجووزت، وأن هناك لجنة تشتغل على نسخة جديدة،،،

والحال أن بلاغ المجلس الحكومي السابق ذكره أشار بوضوح لا لبس فيه أن المصادقة قد تمت على المشروع الذي تقدم به وزير العدل، وأن هناك لجنة تقنية ستعمل على إدخال التعديلات التي أفرزتها مداولات المجلس الحكومي، وبالتالي فالحكومة ورئيسها يملكان الخطوط الكبرى للمشروع، ومهمة اللجنة ستكون محض تقنية، تنكب على الصياغة القانونية واللغوية.

كان على رئيس الحكومة أن يمتلك قليلا من الشجاعة، ويجيب الرأي العام ببلاغ رسمي واضح، وليس عبر تدوينة لمستشاره الإعلامي، على سؤال : هل ما تسرب تم التراجع عنه أثناء مداولات المجلس الحكومي؟ بدون لف ولا دوران.

وزير العدل الاتحادي الذي تقدم بهذا المشروع، هو نفسه الذي أعاد مشاريع التعديلات على القانون الجنائي لنقطة الصفر، باعتبار أن هناك خلافا فلسفيا (هكذا) حول الحريات، وأن تلك التعديلات تحتاج لتوسيع النقاش حسب قوله، ولو على حساب هدر الزمن التشريعي، وإبقاء فصول من سنوات سابقة للدستور الجديد، ولمصادقة المغرب على مجموعة من الاتفاقيات الحقوقية والبروتوكولات الملحقة بها،،

وعليه نسائل سعادته عن "فلسفة" هذا المشروع الجديد؟

على الأقل فإن سلفه الرميد قبل أن يقدم مشروع تعديل القانون الجنائي، وضع أمام الرأي العام مسودة هذا المشروع حتى قبل بعثة للبرلمان.

إن ما تسرب - وفي انعدام أي نفي واضح - لا يمكن اعتباره إلا صورة كاشفة عما سيأتي به المشروع من ذبح للحق في التعبير عن الرأي، يضاف إلى المقاصل الموجودة في القانون الجنائي، والفخاخ المنصوبة في قانون الصحافة ومدونة النشر.

لم يكفهم أن مواطنين يزج بهم في السجون، أو يقادون لمحاكمات رأي بسبب تدوينات لا تحمل أي تحريض على العنف أو الكراهية أو التمييز، بل أحيانا تكون هناك محاكمات للنيات عبر تأويل نص تدوينة تأويلا متعسفا.

إن الدعوة لمقاطعة منتوج ما، بسبب إضراره بصحة المواطن، أو لشبهة ممارسات احتكارية، أو لغلائه غير المتناسب مع تكلفته، هو فعل مقاومة مدنية لا عنفية، وهو كذلك شكل من أشكال التعبير عن رفض الاحتكار والغش والغلاء، ولا يمكن اعتباره فعلا موجها ضد الاقتصاد الوطني،،،

وحتى لو افترضنا أن مقاطعة ما كانت موجهة من جهة تسعى لضرب منافس اقتصادي أو سياسي، فالعقاب يجب أن يطال تلك الجهة إذا كانت هناك أدلة على تورطها، وفي القانون الجنائي مقتضيات كافية للمتابعة، فلا يعقل منع السكين لأن أحدا ارتكب به جريمة قتل.

إن ما تسرب،مضافا إليه توقيت مناقشة ذلك المشروع في المجلس الحكومي يزكي ما كان يقوله البعض من أن الاتحاد الاشتراكي عليه دين يجب أن يؤديه لأخنوش الذي أدخل الحزب من النافذة ليكون عضوا في فريقه الحكومي،،،

كما يكشف أن زواج السلطة والثروة معيق للديموقراطية والتنمية معا.

لنتذكر كيف مرر وزير "الكمامات" قانونا متعلقا بالتأمينات يخدم عملية بيعه لأسهم شركته للتأمينات،،
ولنتذكر كيف خدم قانون المقايسة وبعده تحرير أسعار النفط ومشتقاته مصلحة وزير الفلاحة،،
وكيف اليوم يفكرون في حماية شركاتهم من "بعبع" المقاطعة بمشروع قانون "سري"،،

ويعلمنا التاريخ السياسي أن السرية من داخل دواليب الحكم هي نهج الانقلابيين.،،

إن مجرد التفكير في انتهاز لحظة انشغال المغاربة بمواجهة جائحة كورونا، وكارثة الجفاف، لتمرير هذا المشروع، ينم عن الدرجة الصفر من الأخلاق السياسية،،

إنها الانتهازية التي لا تختلف عن صنيع أولئك الذين صورهم بريخت في مسرحية "الأم شجاعة"، وهم يتحينون فترات الهدنة المؤقتة في الحروب لينبشوا في الجثث بحثا عن خاتم او قطعة نقدية أو سن مذهبة.

في زمن كورونا المغربي، كان لنا بدورنا خفاشنا الذي صاغ مشروع القانون هذا،، وكما كورونا الوبائية فرضت علينا الكمامة الواقية من نقل العدوى، سيفرض علينا هذا المشروع الخفاشي إذا تم تمريره كمامة لمنع حتى ما كنا نكتبه بعد تمارين من الرقابة الذاتية.

إرسال تعليق

0 تعليقات