اشترك في النشرة البريدية

الدورة 19 للمهرجان الوطني للفيلم التربوي بفاس أو التربية بنكهة السينما

لم يكن اللقاء بين الصورة والتربية هادئا باستمرار، فمنطق الصورة يفترض التحرر والتمرد على المجالات التي انطلق منها، بينما منطق التربية يرتبط بالأهداف والمهارات والكفايات والإدماج ومايرافقها من تعليم وتعلم.
لكن الصورة والتربية قد تتلاقحان لخلق وتطوير ثقافة بصرية، الأمر الذي قد يجعلنا أمام مسار آخر تنتقل فيه الصورة من فضاء الاستمتاع إلى موضوع للفهم والتفسير والتأويل، وقد تتحول أحيانا إلى مجرد وسيط ضمن منظور تواصلي باعتبارها حاملة لرسالة ما، في تجاهل مجحف لأفقها الثقافي ونسيجها الداخلي وتفردها كلحظة مميزة من النشاط الإنساني، لأنها أضحت بديلا للكلمات، ووجودها الحقيقي لايبرز إلا من خلال ماتحبل به من مفردات.
هذه العلاقة الإشكالية تبين صعوبة هذا اللقاء وضرورته في آن واحد، مما يستلزم إقرار بعض التوافقات من خلال ملامسة الجانب الفني للتربية كأفق منفتح على التجدد والتنوع، واعتبار الصورة مجالا لمفاوضات ثقافية من المفيد معرفة حدودها ونقاط قوتها وضعفها، هذه التوافقات تجعل من غير الممكن إغفال دور الصورة في التربية ودور التربية في الصورة، فالصورة تشاهدنا كما نشاهدها وتحاورنا كما نحاورها، وكل إثراء لصورة التربية لن يتم إلا بالتربية على الصورة.
وفي هذا السياق تحضر الدورة 19 للمهرجان الوطني للفيلم التربوي، التي ستنظمها الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة فاس مكناس من 26 إلى 28 مارس 2020، علما بأن المهرجان دأب منذ تأسيسه على محاولة المزاوجة بين البعدين التربوي والسينمائي، ووجب الإقرار بأن هذه التركيبة ظلت تطرح باستمرار مسألة هوية الفيلم التربوي والتي ما فتئت تتأرجح بين البعد السينمائي الفني الذي ينحو باتجاه جمالية اللغة السينمائية والبعد التربوي باعتباره خطابا يسعى إلى تكوين وتطوير وإكساب المتعلم مهارات وكفايات قصد مواكبة متطلبات الحياة ، وهذا التأرجح ينعكس أيضا في مرحلة الانتقاء الأولي للأفلام والذي تسهر عليه بشكل كبير الإدارة التربوية في الوقت الذي توكل مهمة لجنة التحكيم الوطنية لسينمائيين ذوي خبرة، وبالطبع فإن هذه المسألة تخلق بعض التساؤلات المشروعة حول هوية الفيلم التربوي وكيف يستطيع أن يحافظ على نَفَسِه التربوي ويرقى في نفس الوقت إلى مستوى التعبير السينمائي
لقد بلغ المهرجان الوطني للفيلم التربوي مرحلة من النضج، وراكم خبرة 18 سنة ساهم خلالها في بلورة الحس الفني والسينمائي في المنظومة التعليمية بحيث أصبح يشكل محطة أساسية في إطار التشبيك الموضوعاتي الذي أقرته وزارة التربية الوطنية، وهو يحتاج إلى التغلغل أكثر بالمؤسسات التعليمية عبر الأندية السينمائية وعبر مؤسسات التفتح، ويبدو أن دورة هذه السنة بانفتاحها على البعد الدولي وباهتمامها بمعايير تجعل من التربية على الصورة مركزا لها، ستحاول إرساء معالم هوية للمهرجان تراعي الشقين الفني والتربوي، فصورة التربية ستصبح أكثر إشراقا بالتربية على الصورة.

إرسال تعليق

0 تعليقات