تعدّ القوة العسكرية المكسب الأهم في نظام العلاقات الدولية، وربّما تتمتع الدولة برصيد مهم في الثقافة والفن والفلسفة، لكن الأمر لا يعد مهما إذا لم يكن لديها جيش قوي.
وهذا ما عبر عنه بصراحة الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ حين قال، "السلطة تنبثق من فوهة البندقية".
وفي تقرير لهما نشرته مجلة "ناشونال إنترست" الأميركية، قال الكاتبان، زاكاري كيك وأخيليش بيلالاماري، إن الجيوش هي الأهم من بين جميع عناصر القوى العسكرية الأخرى لسبب بسيط، وهو أن الناس يعيشون على الأرض ولا يتوقع أن يتغير ذلك في المستقبل.
ووفقًا للعالم السياسي الشهير جون جوزيف ميرشايمر، كانت حرب المحيط الهادي ضد اليابان "حرب القوى العظمى الوحيدة في التاريخ الحديث التي لم تكن القوة البرية وحدها فيها هي المسؤولة بشكل أساسي عن تحديد النتيجة، بل كانت القوة الجوية أو البحرية، أكثر من مجرد عامل مساعد، ومع ذلك، يؤكد ميرشايمر أن "القوة البرية لعبت دورا حاسما في هزيمة اليابان".
وأوضح الكاتبان أن الجيوش تعد أهم عامل في تقييم القوة النسبية للأمة، ويمكن تحديد أقوى الجيوش من خلال قدرتهم على الانتصار في المعارك بشكل حاسم ومستمر، فضلا عن المدى الذي سمحوا لدولهم بالسيطرة على الدول الأخرى.
وفيما يلي ملخصات عن أقوى ستة جيوش عرفها التاريخ:
الجيش الروماني
ذكر الكاتبان أن الجيش الروماني احتلّ العالم الغربي على مدار مئات الأعوام. ولفتا إلى أن الجيش الروماني تميز بالمثابرة وقدرته على الكر بعد الفر مرارًا وتكرارًا حتى في مواجهة الهزيمة المطلقة، وهو ما أظهره الرومان -حسب قولهما- خلال الحروب البونيقية. فعلى الرغم من قلة المعرفة والموارد، إلا أنهم تمكنوا من هزيمة القرطاجيين باستخدام تكتيكات مبنية على عنصر المفاجأة.
وقد أعطى الجيش الروماني جنوده العديد من المبادرات للقتال من أجل الجيش بقوة وتصميم. وبالنسبة للجنود الفقراء، كان النصر في الحرب يعني الفوز بالأراضي. أما بالنسبة لأصحاب الأراضي، فكان يعني ذلك حماية أملاكهم وكسب ثروات إضافية، وبالنسبة للدولة الرومانية، كان النصر يعني تأمين أمن روما.
وبيّن الكاتبان أن كل هذه المبادرات دفعت الجنود الرومان إلى القتال بقوة أكبر، حيث كانت الروح المعنوية عنصرا مهما للغاية في أداء الجيوش.
ونتيجة لذلك، انتقلت روما خلال ثلاث سنوات من قوة إيطالية إقليمية إلى "سيدة" البحر المتوسط بأكمله والأراضي المحيطة به. وعلى الرغم من بعض النكسات التي عاشها الجيش الروماني، فإنه لم يكن لديهم منافسون يضاهون قوتهم في أي مكان بالعالم.
الجيش المغولي
أفاد الكاتبان بأن المغول تمكنوا من التغلب على معظم أوراسيا (كتلة أرضية ضخمة قديمة مكونة من أوروبا وآسيا مساحتها 54 مليون كيلومتر مربع) وإخضاعها خلال مئة عام، كما هزموا الجيوش والدول التي كانت لديها قوات مسلحة أكبر بعشرات أو حتى مئات المرات من قوات المغول. وفي الحقيقة، كان المغول قوة لا يمكن إيقافها، ظهرت فجأة لتسيطر على الشرق الأوسط والصين وروسيا.
وأشار الكاتبان إلى أن نجاح المغول يعود إلى العديد من الإستراتيجيات والتكتيكات التي استخدمها قائدهم جنكيز خان، الذي أسس الإمبراطورية المغولية. وكان التنقل وقدرة تحملهم من العوامل الأهم لقوات المغول. وفي البداية، مكنتهم طريقة حياتهم البدوية من تحريك جيوش كبيرة عبر مسافات مذهلة في أوقات قصيرة.
علاوة على ذلك، تعززت حركة المغول من خلال اعتمادهم الشديد على الخيول، إذ احتفظ كل فارس بثلاثة أو أربعة خيول لإبقائها مفعمة بالنشاط. ومنح الفرسان الذين يحملون أقواسا وسهاما أثناء ركوبهم، المغول مزايا مميزة على المشاة خلال القتال. بالإضافة إلى ذلك، اعتمد المغول اعتمادا كبيرا على الإرهاب، وألحقوا أضرارًا وخسائر فادحة بأعدائهم المهزومين عمدا لكسر معنوياتهم مستقبلا.
الجيش العثماني
أما الجيش العثماني فقد احتل معظم مناطق الشرق الأوسط والبلقان وشمال أفريقيا في ذروة سلطانه، حيث سيطر على جيرانه المسيحيين والمسلمين. فضلا عن ذلك، احتل القسطنطينية (إسطنبول)، وهي واحدة من أكثر المدن التي لا يمكن اختراقها في العالم، في عام 857هـ/ 1453م. وكانت الإمبراطورية العثمانية الوحيدة التي تتألف من عشرات الدول، كما أنها تمكنت من الدفاع عنها ضد جيرانها حتى القرن التاسع عشر.
وقد بدأ الجيش العثماني في الاستفادة من المدافع والبنادق قبل أعدائه الذين استمر الكثير منهم في القتال باستخدام أسلحة القرون الوسطى، وهو ما ساعد الإمبراطورية العثمانية في البروز عندما كانت لا تزال إمبراطورية صغيرة.
تتمثل إحدى المزايا الرئيسية للعثمانيين في استخدام وحدات مشاة خاصة متكونة من النخبة والمسماة الإنكشارية. والجدير بالذكر أن أعضاء وحدات الإنكشارية دُربوا منذ الصغر على أن يكونوا جنودًا، وبالتالي كانوا مخلصين وفعالين للغاية في ساحة المعركة.
الجيش الألماني النازي
وبخصوص الجيش الألماني النازي أو ما يُعرف بالفيرماخت، قال الكاتبان إنه فاجأ الأوروبيين بعد الجمود الذي تلا الحرب العالمية، عندما تغلب في غضون أشهر على معظم أوروبا الوسطى والغربية، بل كاد يتغلب على جيش الاتحاد السوفيتي الهائل.
في الواقع، تمكن الجيش الألماني من تحقيق هذه الإنجازات الهائلة من خلال استخدامه لمفهوم الحرب الخاطفة المبتكر، الذي جمع بفضل استخدامه للتقنيات الجديدة في مجال الأسلحة والاتصالات، بين السرعة والمباغتة وتركيز القوات من أجل تحقيق كفاءة ممتازة أثناء القتال. وعلى وجه التحديد، تمكنت وحدات المشاة المدرعة والأخرى الميكانيكية بمساعدة الدعم الجوي قريب المدى، من اختراق خطوط العدو وتطويق قواته.
يتطلب تنفيذ هجمات الحرب الخاطفة وجود قوات مدربة تدريبا عاليا وقادرة على القتال، وهو ما امتلكته برلين بكميات هائلة. وعلى الرغم من أن الأيديولوجية النازية والزعيم النازي أعاقا الجهود الحربية للحرب الخاطفة، فإن شح الموارد ونقص الأفراد هما المسؤولان عن هزيمة ألمانيا النازية.
الجيش السوفيتي البري
بالنسبة للجيش السوفيتي الذي كان يعرف قبل 1946 بالجيش الأحمر، فإنه هو الذي تمكن من قلب مجرى الحرب العالمية الثانية. والجدير بالذكر أن انتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب، وقدرته على تهديد بقية أوروبا على مدى العقود الأربعة التي تلت توقف القتال، لم يكونا لهما أي علاقة بالتكنولوجيات المتفوقة (خارج الأسلحة النووية) أو العبقرية العسكرية (في الواقع، كانت قيادة الرئيس السوفيتي الأسبق جوزيف ستالين العسكرية كارثية للغاية، ولا سيما في بدايات الحرب العالمية الثانية).
لقد كان الجيش السوفيتي بمثابة طاغوت عسكري، حيث يعود الفضل في ذلك تقريبًا إلى حجمه الهائل مقارنة بمساحة الأرض والسكان والموارد الصناعية. كما أوضح المؤرخ البارز لألمانيا النازية، ريتشارد إيفانز ذلك قائلا، "بلغت خسائر الجيش الأحمر في الحرب أكثر من 11 مليون جندي، وأكثر من مئة ألف طائرة وأكثر من ثلاثمئة ألف مدفع، وحوالي مئة ألف دبابة وبنادق ذاتية الدفع".
وأضاف الكاتبان أنه كانت هناك لحظات تنمّ عن عبقرية عسكرية، أهمها منح ستالين الصلاحية العسكرية لقادته القلائل المميزين، واستخدام التكنولوجيا الواعدة لتطوير دبابات من طراز تي-34.
ومع ذلك، لم تكن هذه هي العوامل الحاسمة لنصر الاتحاد السوفيتي في نهاية المطاف، حيث استمرت تضحياته الهائلة حتى بعد معركة برلين. وبينما احتفظ حلف شمال الأطلسي بالكثير من المزايا التكنولوجية خلال الحرب الباردة التي استمرت لأربعة عقود، تمتع الاتحاد السوفيتي فيها بتفوق عددي هائل.
الولايات المتحدة
أما القوة السادسة فهي الولايات المتحدة الأميركية التي حرصت على تجنب الحفاظ على جيش جرار طول الوقت، وفي الواقع، اتبعت الولايات المتحدة في فترة الحرب العالمية الثانية فكرة أن الدستور الأميركي لا يسمح للكونغرس بإنشاء جيوش ودعمها سوى عند الحاجة، على الرغم من أنه بإمكانه توفير قوات بحرية ودعمها. ونتيجة لذلك، أنشأت الولايات المتحدة جيوشا كبيرة أثناء الحرب سرعان ما فككتها لاحقا.
ومع ذلك، كان الجيش الأميركي منذ بداية القرن العشرين فعالًا للغاية، ولا سيما خلال المعركة ضد الدول القومية. والجدير بالذكر أن دخول الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، ساعد في قلب ميزان القوى لصالح الحلفاء. كما دمرت الولايات المتحدة جيش العراق في الكويت عام 1991 والعراق عام 2003.
وبشكل أكثر وضوحًا، تُعد الولايات المتحدة القوة الوحيدة في التاريخ التي نشرت أعدادا هائلة من الجنود بطريقة سريعة وفعالة. وعلى الرغم من أن عدد أفراد الجيش الأميركي لا يعد كبيرًا مقارنة ببلدان مثل الاتحاد السوفيتي، فإن الجيش الأميركي يمثل قوة قتالية عالية التدريب تستخدم تكنولوجيا فائقة التطور، كما يتمتع الجيش الأميركي بدعم قوات جوية وبحرية لم يشهد لها العالم مثيلا.
المصدر : ناشونال إنترست
0 تعليقات