رفيقي عمر،
أكتب إليك يا رفيقي أنت الشاهد على تجربة جيل تألب على نار المقاومة ونور الأمل، جيل تدرب على التشبث بساحات الحقيقة الملموسة، وعلى التعلم من كفاحات الناس البسطاء والإصغاء الى نبضها والانطلاق منها في إبداء الرأي وكتابة التقرير وإنجاز التحقيق والتقاط الصورة المُدِينة للظلم والحكرة واللامساواة والقهر، في وقت يتكدس فيه جزء كبير من حملة القلم على عتبات الذل والعار والمال، متجندين، بانتهازية مقيتة تفوح منها رائحة التواطؤ والكذب، لخدمة الاستبداد، طمعا في وهم الارتقاء الاجتماعي والاعلامي والسياسي، دون أن يدركوا أنهم لن يرتقوا بشهادات الزور التي يتقنوها ويدلون بها، في كل وقت وحين، ضد الناس والوطن والتاريخ، سوى نحو عار المزابل.
الآن، وقد هطلت على آلة تحقيقاتك الشُّجَاعَة حِجارة القمع، فإنهم يسعون فقط إلى إخراسك، وإلى أن يدفعوا آلة تصويرك لتصوير شيء آخر، غير المآسي والعذابات والانتهاكات التي تطال أبناء جلدتنا في الريف وفي كل مكان. وهي العذابات التي وضعت نفسك وقلمك وروحك وكفاءتك، باعتبارك صحفيا حرا وماركسيا ثوريا ملتزما بتقاسم موهبتك وأفكارك وذكائك ونشاطك اليومي، مع من يقبعون في قاع الظلم واللامساواة.
ولأنك ماركسي فأنت تدرك جيدا أنه لا يمكن لصحفي، يحترم ضميره، أن يمارس الصحافة باعتبارها تجارة، كما هي عليه الآن، ولا يمكن أن تكون تجارة، لأنه لا يمكن لشيء يقوم على الربح وعلى البيع والشراء، أن يشهد شهادة حق... ولأنك فضلت الانخراط في معمعان الكفاح لأجل إعلاء راية الحرية في بلدك، بدل التطبيل لخطابات الظلم والاستبداد وتسويغه بمبررات الاستقرار والوحدة الوطنية المزعومة، اعتقلوك.
أعرف أنه لم يكن انتقامهم مفاجئا بالنسبة لك، أذكر يوم حدثتني في الموضوع في إحدى ليالي البيضاء الشاردة، منذ أكثر من ثلاث سنوات، فقد كنت تتوقع ضربة القمع، لذلك، أراك الآن قويا وصابرا وصبورا بين يدي السجان والقاضي، الذي سيجتهد في إيجاد تهمة تليق بوفائك لصف المقهورين، أنت تعرف أن التزامك الصحفي الحر والصادق خلق لهم متاعب كثيرة، هم الذين يكرهون الكلمة التي تجرح، الكلمة التي لا تركع، الكلمة التي تقول الحقيقة عارية وتسمي الأشياء بمسمياتها، وكلمتك يا عمر قالت كل هذا وزيادة بكل ما يقتضيه التزامك من صدق ويقظة.
أنت تعرف يا عمر أن الكلمة عندما تصطف إلى جانب الحقيقة لا بد أن تكتوي بنار القهر والقمع، لا سيما في بلد لطالما كابدت فيه الكلمة الحرة الصادقة السجن والاغتيال والنفي والإبعاد والتهميش والتشهير وفبركة التهم.
ها أنت تشهد يا عمر أن ما سماه محترفو التزوير "انتقالا نحو الديمقراطية"، ما هو، في الحقيقة، سوى فصل جديد من فصول القمع والافقار وتكميم الأفواه، وهذا ليس مرده إلى أن القابعين في القمة أشرار، وليسوا بدون ضمير، كما يزعم أنصار اختزال المعركة الضارية بين الاستبداد والحرية، بين المهانة والكرامة، في أبعادها الأخلاقية الصرفة، لكن ضميرهم الطبقي القائم على الافتراس والنهب والاستبداد، يدفعهم دفعا للدفاع بكل شراسة عن حظوة طبقتهم وامتيازاتها ومكانتها السياسية والاجتماعية والرمزية، مقابل ردم الطبقات الأخرى في جحيم الحاجة والعوز وشظف العيش، مع مواصلة الحديث عن حقوق الإنسان والديمقراطية...في ظل فرض الصمت كأسلوب للحكم، عبر شراء كل من يود أن يكتب ويتحدث عن مآسي الناس ومعاناتهم، ودمجه في أحد نوادي شهادة الزور التي تخترق البلد طولا وعرضا، أما البقية القليلة المزعجة أمثالك، فيبحثون لهم عن ألف تهمة لاقتيادهم نحو جدران العار، بعد أن توقع محاكم التفتيش على قرارات الإدانة الجاهزة، هذه المحاكم التي استحالت، قبل أي وقت مضى، إلى أدوات رهيبة لتكميم الأفواه.
أكتب إليك اليوم يا عمر، لأن التضامن معك ليس واجبا فحسب، بل إلحاحا تمليه دوافع كثيرة، أقلها ما يجمعنا من حب مشترك لقيم الحرية والعدل والمساواة.
أعرف أنك ستصمد يا عمر، بحكم صلابة روحك الثورية، وتربيتك في أحد أشرس معاهد المقاومة ضد الظلم، ستصمد يا عمر لأن عين كاميرا الحقيقة التي حملتها وحَملتْكَ، وستحملك وتَحمِلُها، مستقبلا، نحو أراضي جديدة حيث تنتهك الحقوق والحريات، لا بد أن تصمد، وإلى الأبد. لأنه مادام هناك ظلم ما فلا ينبغي إغماض أعيننا. على المناضل أن يظل يقظا وعيناه مفتوحتان على الدوام على حقائق الانتهاكات والتجاوزات والمظالم. وهذا ما قمت به بكفاءة عالية يشهد لك بها وطنك، وهذا ما ستقوم به بالتأكيد مستقبلا، بعد أن يفشل الجلاد في كسر آلة تصويرك، لأنها عصية على الكسر كإرادتك تماما.
صورك منثورة على الصفحات الشخصية لكافة الأحرار، وقد تعالت الأصوات المُندِّدة باعتقالك داخل المغرب وخارجه ومن مختلف المشارب الفكرية والسياسية أيضا، فحتى سميرة سيطايل التي لا أعتقد أنك كنت تتوقع يوما ما أنها ستطالب بإطلاق سراح معتقل رأي، شجبت قرار متابعتك وإيداعك السجن على صفحتها في تويتر!!!
حملات التنديد باعتقالك يا عمر في كل مكان، وكن متيقنا أن التضامن معك سينمو وستتسع دوائر المطالبة بإطلاق سراحك في الأيام القليلة القادمة. لأنك من الأقلام الصحفية القليلة والنادرة التي يمكن أن يتحقق حولها إجماع واسع بهذا الحجم. وهذا وحده كفيل بأن يجعلك تفتخر بصدق قلمك، ويجعلنا نفتخر بك نحن كذلك، وتفتخر بك أمك الحبيبة.
وفي الوقت الذي أكتب إليك فيه هذه الرسالة سيجتمع، بعد لحظات، نفر من أحرار و حرائر بلدك بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط لتشكيل لجنة وطنية لفرض إطلاق سراحك.
لن نصمت يا عمر ، سنقاتل لأجل حريتك وحرية كل مناضلي الرأي والسياسة والقلم في هذا البلد الذي نحبه، فقط لأننا مطالبون، أكثر من أي وقت مضى، لاحتضان جمرة الحرية التي يسعى الجلاد، بتوظيف جميع السبل والوسائل الخادعة والماكرة لإطفائها.
نعم يا عمر، يمكن للأرض أن تضيق بنا، وتحشرنا في المَمرّ الأخير، كما كتب محمود درويش عام 1984، لكن لا أسمح لنفسي أن أعيد على مسامعك سؤاله الحارق: " إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة؟ أين تطير العصافير بعد السماء الأخيرة؟"، لأنني على يقين تام بأنك لن تذهب يا عمر سوى نحو نجمة الحرية مهما بلغ بطش الطغاة، لأنك، ببساطة، إنسان حر وتعشق الحرية.
لن أتمنى لك الصمود، يا عمر، لأنني أعرف بأنه يجري في عروقك كدمك المنذور لخدمة شعبك، ما أتمناه، من أعماقي قلبي، هو الكثير من الصمود والصبر لأمك الحبيبة ولأفراد أسرتك واحداة واحداً دون استثناء.
إلى أن أعانقك قريبا جدا... لك كل محبتي الرفاقية.
الحرية الفورية لعمر ولكل معتقلي الرأي والكلمة والسياسة الصادقة..
رفيقك محمد بوطيب
طنجة في 27 ديسمبر 2019


0 تعليقات