بقلم : لحسن بولسان
في سجلات ذاكرة شعبنا تواريخ خالدة ستبقى شواهد حية تحكي سيرة ملاحم وبطولات شعب رفض الذل والمهانة والخنوع . العشرون ماي ليس يوماً عادياً في تاريخ الشعب الصحراوي ،ففي هذا اليوم من سنة ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين وبعد تأسيس جبهة البوليساريو في العاشر ماي ،أطلق الصحراويون شرارة البدء في كفاح عسكري غير مجرى الأحداث بالصحراء الغربية والمنطقة عموما ،وشد أنظار العالم وجعل الإستعمار الإسباني أولا والمحتل المغربي بعد ذالك وحلفائهم وخاصة من شاركوا وباركوا إتفاقية مدريد الثلاثية، يضربون أخماسا في أسداس.
مع مرور ستة وأربعين سنة على تأسيس الجبهة وإندلاع الكفاح المسلح ، يستلهم الصحرايون اليوم قيم العطاء ومعانيه ،لأنه اليوم الذي شكل انعطافة تاريخية في مسيرة شعبنا، الذي لبى نداء الوطن والواجب ، فاشتعلت النار من تحت الرماد وكانت بذور الثورة الصحراوية متفجرة في كل مكان ،متأججة في كل صدر ، فغدا الشعب بركاناً ينتفض ويثور و تنادى الوطنيون للانضمام اليها وإجتمع الرأي على موقف واحد , ووحيد , يقول في محاربة المحتل بلغة النار والحديد و بمختلف الوسائل , وتوزعت الأدوار، وانتظمت خطط المواجهة على جميع الاصعدة بجميع ما يمتلك الصحراويون من إمكانيات ، فالتقى بذلك المثقف والطالب والعامل والأم المربية لينتفضوا هبّة رجل واحد لطرد المحتل من الصحراء الغربية التي سيجها شعبنا بالدم والدمع وزينها بالعطاء
أبدع الصحراويون في كفاحهم المسلح وقدموا للعالم تجربة قتالية فريدة تشكل اليوم مرجعية في حرب العصابات ونظريات الحروب ،أبهروا كل المختصين العسكرين وهم أول من طبق وأسس لنظرية جديدة تؤكد قدرة الإنسان على القيام بحرب العاصابات في أماكن صحراوية قاحلة ،معتمدين على خبرتهم التاريخية في فن الحرب وقدرتهم على التحمل وإنصهارهم في الطبيعة ،مضيفين على ذالك التجديد في الوسائل والتخطيط والتنظيم . ورسمت الجبهة مسار الكفاح المسلح، مترافقا مع العمل السياسي و الدبلوماسي و الاعلامي والاجتماعي والاقتصادي حتى تنهض بالصحراويين من حالة التخلف والخنوع إلى حالة من الوحدة والفكر الحر في إطار بناء الدولة الصحراوية التي أنصهرت فيها طاقات كل الصحراويين .
اليوم يعيد شعبنا الأبي إرثه الكفاحي التليد بنفس العزيمة التي لا تلين، تحضر الذكرى وتحضرمعها الإرادة واليقين .. إرادة بالمواجهة حتى النهاية ويقين بنصر يصنعه الصحراويون اجلا أم عاجلا ،يقين ترجمته إرادة تجذرت في الوجدان الصحراوي منذ عقود، رسمت معالم طريقه الجراح النازفة ، وشلالات الدم المسفوح من خاصرة قوافل الشهداء الأبرار و أهات الثكالى والأرامل و اليتامى ومعاناة المعتقلين والمحاصرين بسجن الاحتلال . من هنا وبعد ستة و أربعين عاماً, يكتسي الاحتفال بالحدث أبعاداً اضافية في هذه المرحلة التي لايغيب فيها عن ذهن أي صحراوي المخاطر المحدقة, ولاحجم الاستهداف الذي تتعرض له قضيتنا , بأشكال ووسائل تتعدد بتعدد المحاولات وبتغير الظروف والمستجدات،وتزداد بتزايد الصمود الذي يبديه شعبنا.
نكرر، وفي التكرار ما ينفع ويزيد لم ولن نيأس،و لن ننكسر، و ستبقى الصحراء الغربية بالجراحات تكبروالدرب طويل، طويل، لكنه مفض إلى نصر مؤكد،ولا تراجع عن تحرير كل شبر من أرضنا المغتصبة ،طال الزمن أو قصر، فبين الامس الذي كرسه الصحرايون للكفاح المسلح ،وبين اليوم الذي يخطون فيه رسالتهم الدائمة ،ويواصلون مسيرة كفاحهم المتأجج ،حيث العدو والمحتل المغربي لم يتبدل وإن غير في حيله وفي لبوسه ،بالمقابل ورث أجيال اليوم مشعل نضال يأبون أن يخبو نوره أو ينطفي وهجه ،أو ينضب معينه ،بل يزداد سطوعا كلما طال أمده ليظل جسر النضال الوطني ، قائماً بين الأجداد والأحفاد الذين ورثوا أمانة و أنفة ووطناً ترابه معطر بدم الشهداء ، فعلى عهد ووعد كل الوطن أو الشهادة تبقى عيونهم شاخصة إلى ما تبقى من الأرض ، وهو ميثاق لا يقطعه إلّا الرجال ولا يفي به سواهم و سيعيد الصحراوي التاريخ إلى موقعه الذي توهم البعض انه تاه عنه.
رحم الله شهدائنا الأبرار ، وتحية لمقاتلي جيش التحرير الشعبي الذين دونوا ما لا يحصى من الماثر البطولية.وحرب التحرير تضمنها الجماهير.
0 تعليقات